الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }

قوله تعالى: { وَأَذَانٌ }: رفع بالابتداء، و " مِن الله ": إمَّا صفةُ أو متعلقٌ به. و إلى الناس " الخبر. ويجوز أن يكونَ خبرَ مبتدأ محذوفٍ أي: وهذا إعلامٌ، والجارَّان متعلقان به كما تقدَّم في " براءة ". قال الشيخ: " ولا وجهَ لقولِ مَنْ قال إنه معطوف على " براءة " ، كما لا يُقال " عمرو " معطوف على " زيد " في " زيد قائم وعمرو قاعد ". وهو [كما قال]، وهذه عبارة [الزمخشري بعينها]

وقرأ الضحَّاك وعكرمة وأبو المتوكل: " وإذْن " بكسر الهمزةِ وسكونِ الذال. وقرأ العامَّةُ: " أنَّ الله " بفتح الهمزة على أحدِ وجهين: إمَّا كونِه خبراً لـ " أذان " أي: الإِعلامُ من الله براءتُه من المشركين ـ وضعَّف الشيخُ هذا الوجهَ ولم يذكر تضعيفَه ـ وإمَّا على حَذْفِ حرفِ الجر أي: بأن الله. ويتعلَّقُ هذا الجارُّ إمَّا بنفس المصدرِ، وإمَّا بمحذوفٍ على أنه صفتُه. و " يومَ " منصوبٌ بما تعلَّق به الجارُّ في قوله: " إلى الناس ". وزعم بعضُهم أنه منصوبٌ بـ " أذانٌ " وهو فاسدٌ من وجهين: أحدهما: وصفُ المصدرِ قبل عمله. الثاني: الفَصْلُ بينه وبين معمولِه بأجنبيّ وهو الخبرُ.

وقرأ الحسن والأعرج بكسر الهمزة، وفيه المذهبان المشهوران: مذهبُ البصريين إضمارُ القول، ومذهبُ الكوفيين إجراءُ/ الأذانِ مُجْرىٰ القول.

قوله: { مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } متعلقٌ بنفس " بريء " كما يقال: " بَرِئْتُ منه " ، وهذا بخلافبَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ } [التوبة: 1] فإنها هناك تحتمل هذا، وتحتمل أن تكونَ صفةً لـ " براءة ".

قوله: { وَرَسُولِهِ } الجمهورُ على رَفْعِه، وفيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه مبتدأٌ والخبرُ محذوفٌ أي: ورسولُه بريءٌ منهم، وإنما حُذِفَ للدلالةِ عليه. والثاني: أنه معطوفٌ على الضميرِ المستتر في الخبر، وجاز ذلك للفصلِ المسوِّغ للعطف فرفعُه على هذا بالفاعلية. الثالث: أنه معطوفٌ على محل اسم " أنَّ " ، وهذا عند مَنْ يُجيز ذلك في المفتوحةِ قياساً على المكسورة. قال ابن عطية: " ومذهبُ الأستاذ ـ يعني ابن الباذش ـ على مقتضى كلامِ سيبويهِ أن لا موضعَ لِما دخلَتْ عليه " أنَّ "؛ إذ هو مُعْرَبٌ قد ظهر فيه عملُ العامل، وأنه لا فرقَ بين " أَنَّ " وبين " ليت " ، والإِجماعُ على أن لا موضعَ لِما دَخَلَتْ عليه هذه ". قال الشيخ: " وفيه تعقُّبٌ؛ لأن علةَ كونِ " أنَّ " لا موضعَ لِما دَخَلَتْ عليه ليس ظهورَ عملِ العامل بدليل: " ليس زيد بقائم " و " ما في الدار مِنْ رجل " فإنه ظهر عملُ العامل ولهما موضع، وقولُه: " بالإِجماع " ـ يريد أن " ليت " لا موضعَ لِما دَخَلَتْ عليه بالإِجماع ـ ليس كذلك؛ لأن الفراءَ خالَفَ، وجعل حكمَ " ليت " وأخواتِها جميعِها حكمَ " إنَّ " بالكسر ".

السابقالتالي
2