الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

والوادي: قال الزمخشري: " الوادي: كل منفرَجٍ من جبال وآكام يكون مَنْفذاً للسيل، وهو في الأصل فاعِل مِنْ وَدَىٰ إذا سال، ومنه الوَدِيّ، وقد شاع في استعمال العرب بمعنى الأرض ". وجُمع على أودية وليس بقياس، كان قياسُه الأَوادي كأَواصل جمع واصل، والأصل: وَوَاصِل، قُلبت الواو الأولى همزة. قال النحاس: " ولا أعرف فاعلاً وأفْعلِة سواه " ، وقد استُدْرِك هذا عليه فزادوا: نادٍ وأندية وأنشدوا:
2555 ـ وفيهم مقاماتٌ حِسانٌ وجوهُهمْ   وأنديةٌ ينتابها القولُ والفعلُ
والنادي: المجلس. وقال الفراء: إنه يُجمع على أَوْداء كصاحب وأصحاب وأنشد لجرير:
2556 ـ عَرَفْتُ ببُرْقَةِ الأَوْداءِ رَسْماً   مُحيلاً طال عهدُكَ مِنْ رسومِ
قلت: وقد زاد الراغب في فاعل وأَفْعِلة: ناجٍ وأنْجِيَة، فقد كَمُلَتْ ثلاثةُ ألفاظ في فاعل وأَفْعِلة، ويقال: وَدَاه، أي: أهلكه كأنهم تصوَّروا منه إسالة الدم، وسُمِّيت الدِّيَةُ دِيَةً لأنها في مقابلة إسالة الدم، ومنه الوَدْيُ وهو ماءُ الفحل عند المداعبة وماءٌ يخرج عند البول، والوَدِيُّ بكسر الدال والتشديد في الياء: صغار النحل.

وقوله:ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ } [التوبة: 120]، مبتدأ وخبر، والإِشارة به إلى ما تضمَّنه انتفاءُ التخلُّف مِنْ وجوب الخروج معه.

وقوله: { إِلاَّ كُتِبَ } ، هذه الجملةُ في محل نصب على الحال مِنْ " ظَمَأ " وما عُطِف عليه، أي: لا يصيبهم ظمأٌ إلا مكتوباً. وأَفْرد الضمير في " به " وإن تقدَّمه أشياء إجراء له مُجْرى اسمِ الإِشارة، أي: كُتب لهم بذلك عَمَلٌ صالح. والمضمرُ يُحتمل أن يعودَ على العمل الصالح المتقدم، وأن يعودَ على أحد المصدرين المفهومين في " ينفقون " و " يقطعون " ، أي: إلا كُتِب لهم بالإِنفاقِ أو القَطْعِ.

وقوله: { لِيَجْزِيَهُمُ } متعلقٌ بـ " كُتِب ". وفي هذه الجملة من البلاغةِ والفصاحةِ ما لا يَخْفىٰ على متأمَّله لا سيما لمن تدرَّب بما تقدَّم في هذا الموضوع.