الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ }: قرأ نافع وابن عامر: " أُسِّس " مبنياً للمفعول، " بنيانُه " / بالرفع لقيامه مقام الفاعل. والباقون " أَسَّس " مبنياً للفاعل " بنيانه " مفعول به، والفاعل ضمير مَنْ. وقرأه عمارة ابن عائذ الأول مبنياً للمفعول، والثاني مبنياً للفاعل، و " بنيانُه " مرفوع على الأولى ومنصوب على الثانية لِما تقدم. وقرأ نصر بن علي ونصر بن عاصم " أُسُسُ بنيانِه ". وقرأ أبو حيوة والنصران أيضاً " أَساسُ بنيانِه " جمع أُسّ، وروي عن نصر بن عاصم أيضاً " أَسُّ " بهمزة مفتوحة وسين مشددة مضمومة. وقرىء " إساس " بالكسر وهي جموع أضيفت إلى البنيان. وقرىء " أساس " بفتح الهمزة، و " أُسّ " بضم الهمزة وتشديد السين، وهما مفردان أضيفا إلى البنيان. ونقل صاحب كتاب " اللوامح " فيه " أَسَسُ " بالتخفيف ورفع السين، " بنيانِه " بالجر، فَأَسَسٌ مصدر أسَّ يؤسُّه أَسَسَاً وأسَّاً فهذه عشر قراءات.

والأُسُّ والأَساس القاعدة التي بُني عليها الشيء، ويقال: " كان ذلك على أُسِّ الدهر " كقولهم: " على وجه الدهر " ، ويقال: أَسَّ مضعَّفاً أي: جَعَلَ له أساساً، وآسَسَ بزنة فاعَل.

والبُنْيان فيه قولان، أحدهما: أنه مصدر كالغفران والشكران، وأُطْلِق على المفعول كالخَلْق بمعنى المخلوق. والثاني: أنه جمعٌ وواحدُه بُنْيانة قال الشاعر:
2545 ـ كبُنْيانةِ القاريِّ مَوْضِعُ رَحْلِها   وآثارُ نَسْعَيْها مِنَ الدَّقِّ أَبْلَقُ
يعنون أنه اسم جنس كقمح وقمحة.

قوله: { عَلَىٰ تَقْوَىٰ } يجوز فيها وجهان، أحدهما: أنه متعلقٌ بنفس " أَسَّس " فهو مفعوله في المعنى. والثاني: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه حالُ من الضميرِ المستكنِّ في " أَسَّسَ " أي: قاصداً ببنيانه التقوى، كذا قدَّره أبو البقاء.

وقرأ عيسى بن عمر " تقوىً " منونة. وحكى هذه القراءة سيبويه، ولم يَرْتَضِها الناسُ لأنَّ ألفَها للتأنيث فلا وَجْهَ لتنوينها، وقد خرَّجها الناسُ على أن تكونَ ألفُها للإِلحاق، قال ابن جني: " قياسُها أن تكونَ ألفُها للإلحاق كأَرْطى ".

قوله: { خَيْرٌ } خبرُ المبتدأ. والتفضيل هنا باعتبار معتقدِهم. و " أم " متصلة، و " من " الثانية عطف على " مِنْ " الأولى، و " أَسَّس بنيانه " كالأول.

قوله: { عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ } كقوله: " على تقوى " في وجهيه. والشَّفا تقدم في آل عمران. وقرأ حمزة وابن عامر وأبو بكر عن عاصم " جُرْفٍ " بسكون الراء والباقون بضمها، فقيل: لغتان. وقيل: الساكن فرعٌ على المضموم نحو: عُنْق في عُنُق وطُنْب في طُنُب. وقيل بالعكس كعُسُر ويُسُر. والجُرُف: البِئْر التي لم تُطْوَ.

السابقالتالي
2