الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { مِنْ أَمْوَالِهِمْ }: يجوز فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلقٌ بـ " خُذْ " و " مِنْ " تبعيضية. والثاني: أن تتعلق بمحذوف لأنها حالٌ مِنْ " صدقة " إذ هي في الأصل صفةٌ لها فلمَّا قُدِّمت نُصِبَتْ حالاً.

قوله: { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ } يجوز أن تكونَ التاء في " تُطَهِّرهم " خطاباً للنبي عليه السلام، وأن تكون للغَيْبة، والفاعل ضمير الصدقة. فعلى الأولِ تكونُ الجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحال مِنْ فاعل " خذ ". ويجوز أيضاً أن تكونَ صفةً لـ " صدقةً " ، ولا بد حينئذ من حذف عائد تقديره تطهِّرهم بها. وحُذِف " بها " لدلالة ما بعده عليه. وعلى الثاني تكون الجملة صفةً لصدقة ليس إلا. وأما " وتُزَكّيهم " فالتاءُ فيه للخطاب لا غير لقوله " بها " فإن الضميرَ يعود على الصدقة فاستحالَ أن يعودَ الضمير مِنْ " تزكِّيهم " إلى الصدقة، وعلى هذا فتكون الجملةُ حالاً مِنْ فاعل " خُذْ " على قولنا إنَّ " تُطَهِّرهم " حال منها وإن التاء فيه للخطاب. ويجوز أيضاً أن تكون صفة إن قلنا إن " تطهِّرهم " صفةٌ، والعائدُ منها محذوفٌ.

وجَوَّز مكي أن يكون " تُطَهِّرهم " صفةً لصدقة على أن التاء للغيبة، و " تُزَكِّيهم " حالاً من فاعل " خُذْ " علىٰ أن التاء للخطاب. وقد رَدُّوه عليه بأن الواوَ عاطفةٌ أي: صدقةً مطهِّرةً ومُزَكَّيَاً باه، ولو كان بغير واوٍ جاز. قلت: ووجهُ الفسادِ ظاهرٌ فإن الواوَ مُشَرِّكَةٌ لفظاً ومعنى، فلو كانت " وتزكيهم " عطفاً على " تُطَهِّرهم " لَلَزِمَ أن تكونَ صفةً كالمعطوف عليه، إذ لا يجوز اختلافُهما، ولكن يجوزُ ذلك على أن " تزكِّيهم " خبر مبتدأ محذوف، وتكون الواوُ للحال تقديره: وأنت تزكِّيهم. وفيه ضعفٌ لقلةِ نظيرِه في كلامهم.

فتلخَّص من ذلك أن الجملتين يجوز أن تكونا حالَيْن من فاعل " خُذْ " على أن تكونَ التاءُ للخطاب، وأن تكونا صفتين لصدقة، على أن التاء للغيبة، والعائد محذوفٌ من الأولى، وأن تكون " تطهِّرهم " حالاً أو صفةً، و " تزكِّيهم " حالاً على ما جَوَّزه مكي، وأن تكونَ " تزكِّيهم " خبرَ مبتدأ محذوف، والواوُ للحال.

وقرأ الحسن: " تُطْهِرهم " مخفَّفاً مِنْ " أطهر " عَدَّاه بالهمزة.

قوله: { إِنَّ صَلَٰوتَك } قرأ الأخوان وحفص: " إنَّ صلاتَكَ " ، وفي هود: " أصلاتك تأمُرك " بالتوحيد، والباقون: " إنَّ صلواتك " " أصلواتُك " بالجمع فيهما وهما واضحتان، إلا أنَّ الصلاةَ هنا الدعاء وفي تِيْكَ العبادة.

والسَّكَنُ: الطمأنينة قال:
2542 ـ يا جارةَ الحيِّ ألاَّ كنتِ لي سَكَناً   إذ ليس بعضٌ من الجيران أَسْكَنني
ففَعَل بمعنى مفعول كالقَبْض بمعنىٰ المقبوض والمعنىٰ: يَسْكنون إليها. قال أبو البقاء: " ولذلك لم يؤنِّثْه " لكن الظاهر أنه هنا بمعنى فاعل/ لقولِه " لهم " ، ولو كان كما قال لكان التركيب " سكنٌ إليها " أي مَسْكون إليها، فقد ظهر أن المعنىٰ: مُسَكِّنة لهم.