الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ }: قرأ أبو عمرو " تكون " بالتأنيث مراعاةً لمعنى الجماعة. والباقون/ بالتذكير مراعاةً للفظ الجمع. والجمهورُ هنا على " أَسْرى " وهو قياس فعيل بمعنى مفعول دالاَّ على أنه كجريح وجَرْحى. وقرأ ابن القعقاع والمفضَّل عن عاصم " أُسَارى " شبَّهوا " أسير " بكَسْلان فجمعوه على فُعالَى ككُسالى، كما شبَّهوا به " كسلان " فجمعوه على كَسْلى. وقد تقدَّم القولُ فيهما في البقرة محققاً.

وقوله: { يُثْخِنَ } قرأ العامة " يُثْخن " مخففاً عدَّوه بالهمزة، وقرأ أبو جعفر ويحيى بن وثاب ويحيى بن يعمر " يُثَخِّن " بالتشديد، عَدَّوْه بالتضعيف وهو مشتقٌّ من الثَّخانة، وهي الغِلْظ و الكثافة في الأجسام، ثم يُستعار ذلك في كثرة القتل والجراحات فيقال: أَثْخَنَتْه الجراح أي: أثقلته حتى أَثْبَتَتْه، ومنهحَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ } [محمد: 4]. وقيل: حتى تقهر. والإِثخان: القهر. أنشد المفضل:
2445ـ تُصَلِّي الضُّحى ما دهرُها بتعبُّدٍ   وقد أَثْخَنَتْ فرعونَ في كفره كفرا
كذا أنشده الهرويُّ شاهداً على القهر وليس فيه معنى، إذ المعنى على الزيادة والمبالغةِ المناسِبةِ لأصل معناه وهي الثَّخانة ويقال منه: ثَخُنَ يَثْخُنُ ثَخَانةً فهو ثَخِين، كظَرُف يَظْرُف ظَرافةً فهو ظريف.

قوله: { وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } الجمهور على نصب " الآخرة " ، وقرأ سليمان بن جماز المدني بجرها، وخُرِّجت على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على جَرِّه. وقدَّره بعضهم: عَرَض الآخرة، فعيب عليه إذ لا يحسن أن يقال: والله يريد عرض الآخرة، فأصلحه الزمخشري بأنْ جَعَله كذلك لأجل المقابلة قال " يعني ثوابها ". وقدَّره بعضُهم بأعمال أو ثواب. وجعله أبو البقاء كقول الآخر:
.................   ونارٍ تَوَقَّدُ بالليلِ نارا
وقدَّر المضاف " عَرَضَ الآخرة ". قال الشيخ: " ليست الآيةُ مثلَ البيت فإنه يجوز ذلك إذا لم يُفْصل بين حرف العطف وبين المجرور بشيء كالبيت، أو يُفصل بـ " لا " نحو: " ما مثل زيد ولا أخيه يقولان ذلك " ، أمَّا إذا فُصِل بغيرها كهذه القراءةِ فهو شاذٌّ قليل ".