الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

قوله تعالى: { حَرِّضِ }: أي حُضَّ وحُثَّ. يقال: حَرَّض وحَرَّش وحَرَّك بمعنىً واحد. وقال الهروي: " يقال حارَضَ على الأمر وأَكَبَّ وواكب وواظب وواصَبَ بمعنًى قيل: وأصله مِن الحَرَض وهو الهلاك قال:
2444ـ إني امرؤ رابني همٌّ فأَحْرَضني   حتى بُلِيْتُ وحتى شفَّني سَقَم
قال أبو إسحاق: " تأويل التحريض في اللغة أن يُحَثَّ الإِنسانُ على شيءٍ حتى يُعْلَمَ منه أنه حارضٌ، والحارضُ المقارِبُ للهلاك " ، واستبعد الناسُ هذا منه. وقد نحا الزمخشري نحوه فقال: " التحريضُ: المبالغَةُ في الحثِّ على الأمر، من الحَرَض، وهو أن يَنْهكه المرض ويتبالغَ فيه حتى يُشْفِيَ على الموت أو تُسَمِّيه حَرَضاً وتقول: ما أراك إلا حَرَضاً ".

قوله: { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ } الآيات: أثبت في الشرط الأول قيداً وهو الصبرُ وحَذَفَ من الثاني، وأثبت في الثاني قيداً وهو كونُهم مِن الكفرة وحَذَف من الأول. والتقدير: مئتين من الذين كفروا ومئة صابرة، فحذف من كلٍ منهما ما أثبتَ في الآخر وهو في غاية الفصاحة.

وقرأ الكوفيون: { وإن يكنْ منكم مئة يَغْلبوا } { فإن يكنْ منكم مئة صابرة } بتذكير " يكن " فيهما. ونافع وابن كثير وابن عامر بتأنيثه فيهما، وأبو عمرو في الأولى كالكوفيين، وفي الثانية كالباقين. فَمَنْ ذَكَّرَ فللفَصْل بين الفعل وفاعله بقوله " منكم "؛ ولأن التأنيث مجازي، إذ المراد بالمئة الذُّكور. ومن أنَّث فلأجلِ الفصلِ، ولم يلتفت للمعنى ولا للفصل. وأمَّا أبو عمرو فإنما فرَّق بين الموضعين فَذَكَّر في الأول لِما ذكر، ولأنَّه لحَظَ قولَه " يَغْلبوا " ، وأنَّث في الثاني لقوة التأنيث بوصفِه بالمؤنث في قوله " صابرة ".

وأمَّا " إنْ يكنْ منكم عشرون " " وإن يكنْ منكم أَلْفٌ " ، فبالتذكير عند جميع القرَّاء إلا الأعرج فإنه أنَّث المسند إلى " عشرون ".

وقرأ الأعمش: " حَرِّصْ " بالصاد المهملة وهو من الحِرْص، ومعناه مقاربٌ لقراءة العامة. وقرأ المفضل عن عاصم: " وعُلِم " مبنياً للمفعول، و " أن فيكم ضعفاً " في محل رفع لقيامه مقامَ الفاعل، وهو في محلِّ نصبٍ على المفعولِ به في قراءة العامَّة لأنَّ فاعلَ الفعلِ ضميرٌ يعودُ على الله تعالى. و " يكن " في هذه الأماكن يجوز أن تكون التامَّةَ فـ " منكم ": إمَّا حالٌ من " عشرون " لأنها في الأصل صفةٌ لها، وإمَّا متعلق بنفس الفعل لكونه تاماً، وأن تكونَ الناقصةَ، فيكون " منكم " الخبرَ، والمرفوعُ الاسمَ وهو " عشرون " و " مئة " و " ألف ".

قوله: " ضعفاً " قرأ عاصم وحمزة هنا وفي الروم في كلماتها الثلاث: { اللهُ الذي خَلَقكم مِنْ ضعف، ثم جَعَل من بعد ضعفٍ قوة، ثم جَعَلَ من بعد قوةٍ ضعفاً } بفتح الضاد، والباقون بضمها، وعن حفص وحدَه خلافٌ في الروم خاصةً.

السابقالتالي
2