الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قوله تعالى: { لاَّ تُصِيبَنَّ }: في " لا " وجهان، أحدهما أنها ناهيةٌ، وعلى هذا فالجملةُ لا يجوز أن تكون صفةً لـ " فتنة "؛ لأنَّ الجملة الطلبيةَ لا تقعُ صفةً، ويجوز أن تكون معمولة لقول، ذلك القولُ هو الصفةُ أي: فتنةً مقولاً فيها: لا تصيبنَّ. والنهيُ في الصورة للمصيبة وفي المعنى للمخاطبين، وهو في المعنى كقولهم: لا أُرَيَنَّك ههنا أي: لا تتعاطوا أسباباً يُصيبكم فيها مصيبةٌ لا تَخُصُّ ظالمَكم. ونونُ التوكيد على هذا في محلِّها. ونظيرُ إضمار القولِ قولُه:
2401ـ جاؤوا بمَذْقٍ هل رأيتَ الذئبَ قَطْ   
أي: مقول فيه: هل رأيت. والثاني: أن " لا " نافية، والجملةُ صفةٌ لـ " فتنة " وهذا واضحٌ من هذه الجهة، إلا أنه يُشْكل عليه توكيد المضارع في غير قسم ولا طلب ولا شرط، وفيه خلافٌ: هل يَجْري النفيُ بـ " لا " مَجْرى النهي؟ من الناس من قال نعم، واستشهد بقوله:
2402ـ فلا الجارةُ الدنيا لها تَلْحَيَنَّها   ولا الضيفُ منها إنْ أناخَ مُحَوَّلُ
وقال آخر:
2403ـ فلا ذا نعيمٍ يُتْرَكَنْ لنعيمه   وإن قال قَرِّظْني وخُذْ رشوةً أبى
ولا ذا بيئسٍ يُتركنَّ لبؤسه   فينفعَه شكوٌ إليه إن اشْتكى
فإذا جاز أن يُؤكَّد المنفيُّ بـ " لا " مع انفصاله فلأَنْ يؤكَّد المنفيُّ غيرُ المفصولِ بطريق الأَوْلى. إلا أن الجمهور يَحْملون ذلك على الضرورة.

وزعم الفراء أنَّ " لا تصيبَنَّ " جواب للأمر نحو: " انزلْ عن الدابة لا تَطْرَحَنَّك " ، أي: إنْ تنزل عنها لا تَطْرحنك، ومنه قولهلاَ يَحْطِمَنَّكُمْ } بالنمل: 18]، أي: إنْ تَدْخُلوا لا يَحْطِمنَّكم، فدخلت النونُ لِما فيه من معنى الجزاء. قال الشيخ: " وقوله: لا يَحْطِمَنَّكم وهذا المثالُ ليس نظيرَ " فتنةً لا تصيبنَّ الذين " لأنه ينتظم من الآيةِ والمثالِ شرطٌ وجزاءٌ كما قَدَّر، ولا ينتظم ذلك هنا، ألا ترى أنه لا يَصِحُّ تقدير: إنْ تتقوا فتنة لا تُصِبِ الذين ظلموا، لأنه يترتَّبُ على الشرط غيرُ مقتضاه من جهة المعنى ".

قال الزمخشري: " لا تصيبنَّ ": لا يخلو: إمَّا أن يكونَ جواباً للأمر أو نهياً بعد أمرٍ أو صفةً لفتنة. فإذا كانت جواباً فالمعنى: إنْ أصابَتْكم لا تُصِبِ الظالمين منكم خاصة، بل تَعُمُّكم " ، قال الشيخ: " وأخذ الزمخشري قولَ الفراء فزاده فساداً وخَبَط فيه " ، فذكر ما نقلتُه عنه ثم قال: " فانظر إليه كيف قدَّر أن يكون جواباً للأمر الذي هو " اتقوا " ، ثم قدَّر أداةَ الشرطِ داخلةً على غير مضارع " اتقوا " فقال: المعنى: إن أصابَتْكم، يعني الفتنة. وانظر كيف قدَّر الفراء: انزل عن الدابة لا تَطْرَحَنَّك، وفي قوله:

السابقالتالي
2 3