الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ }

قوله تعالى: { زَحْفاً }: فيه وجهان: أحدهما: أنه منصوبٌ على المصدر، وذلك الناصب له في محل نصب على الحال، والتقدير: إذا لقيتم الذين كفروا زاحفين زحفاً، أو يزحفون زحفاً. والثاني: أنه منصوبٌ على الحال بنفسه ثم اختلفوا في صاحبِ الحال فقيل: الفاعل، أي: وأنتم زَحْف من الزحوف، أي: جماعة، أو وأنتم تمشون إليهم قليلاً قليلاً على حَسَب ما يُفَسَّر به الزَّحْف وسيأتي. وقيل: هو المفعول أي: وهم جمٌّ كثير أو يمشون إليكم. وقيل: هي حالٌ منهما أي: لقيتموهم متزاحِفين بعضَكم إلى بعض.

والزَّحْفُ: الدنوُّ قليلاً قليلاً يقال: زَحَف يَزْحَف إليه بالفتح فيهما فهو زاحفٌ زَحْفاً، وكذلك تَزَحَّفَ وتَزَاحف وأَزْحَفَ لنا عدوُّنا أي: دَنَوا لقتالنا. وقال الليث: " الزَّحْفُ: الجماعة يمشون إلى عدوِّهم، قال الأعشى:
2397ـ لِمَنِ الظعائنُ سَيَّرُهُنَّ تَزَحُّفُ   مثلَ السَّفِينِ إذا تقاذَفُ تَجْدِفُ
وهذا من باب إطلاق المصدر على العين. والزَّحْفُ: الدبيب أيضاً مِنْ " زَحَفَ الصبيُّ " ، قال امرؤ القيس:
2398ـ فَزَحْفاً أَتَيْتُ على الرُّكْبَتَيْنِ   فثوباً لَبِسْتُ وثوباً أَجُرّْ
ويجوز جمعُه على زُحوف ومَزاحِف، لاختلاف النوع، قال الهذلي:
2399ـ كأنَّ مَزاحِفَ الحَيَّاتِ فيه   قبيل الصُّبْحِ آثارُ السِّياطِ
ومَزاحِف جمع مَزْحَف اسمَ المصدر.

قوله: " الأَدْبار " مفعول لـ " تُوَلُّوهم ".