الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ }

قوله تعالى: { إذ يَغْشاكم }: في " إذ " وجوه أحدها: أنه بدل من " إذ " في قوله:وَإِذْ يَعِدُكُمُ } [الأنفال: 7]. قال الزمخشري: " إذ يغشاكم بدلٌ ثانٍ من " إذ يَعِدكم ". قوله: " ثان " لأنه أبدل منه " إذ " في قوله " إذ تَسْتغيثون " ووافقه على هذا ابن عطية وأبو البقاء. الثاني: أنه منصوبٌ بالنصر. الثالث: بـمِنْ عِندِ ٱللَّهِ } [الأنفال: 10] من معنى الفعل. الرابع: بـمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ } [الأنفال: 10]. الخامس: بإضمار " اذكر ". ذكر ذلك الزمخشري. وقد سبقه إلى الرابع الحوفيُّ.

وقد ضَعَّفَ الشيخُ الوجهَ الثاني بثلاثة أوجه أحدها: أنَّ فيه إعمالَ المصدرِ المقرون بأل قال: " وفيه خلاف ذهب الكوفيون إلى أنه لا يَعْمل. الثاني من الأوجه المضعِّفة أنه فيه فصلٌ بين المصدر ومعموله بالخبر وهو قوله: " إلا من عند الله " ، ولو قلت: " ضَرْبُ زيدٍ شديدٌ عمراً " لم يَجُزْ. الثالث: أنه عَمل ما قبل " إلا " فيما بعدها وليس أحدَ الثلاثةِ الجائزِ ذلك فيها، لأنه لا يعمل ما قبلها فيما بعدها إلا أن يكونَ مستثنى أو مستثنى منه أو صفةً له. وقد جوَّز الكسائي والأخفش إعمالَ ما قبل " إلا " فيما بعدها مطلقاً، وليس في هذه الأوجه أحسنُ من أنه أخبر عن الموصول قبل تمامِ صلته.

وضَعَّفَ الثالثَ بأنه يلزم منه أن يكون استقرارُ النصر مقيَّداً/ بهذا الظرفِ، والنصرُ من عند الله لا يتقيَّد بوقت دون وقت. وهذا لا يَضْعُفُ به لأنَّ المرادَ بهذا النصرِ نصرٌ خاص، وهذا النصرُ الخاصُّ كان مقيداً بذلك الظرف. وضعَّف الرابعَ بطولِ الفصل ويكون معمولاً لما قبل " إلا ".

السادس: أنه منصوبٌ بقوله: " ولتطمئنَّ به " قاله الطبري. السابع: أنه منصوبٌ بما دلَّ عليه " عزيز حكيم " قاله أبو البقاء. ونحا إليه ابن عطية قبله.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو " يَغْشاكم النعاسُ ". نافع: " يُغْشِيكم " بضم الياء وكسر الشينِ خفيفةً. " النعاسَ " نصباً. والباقون " يُغَشِّيكم " كالذي قبله، إلا أنه بتشديد الشين فالقراءة الأولى مِنْ غَشِي يَغْشَى، و " النعاس " فاعل. وفي الثانية مِنْ " أغشى " ، وفاعلُه ضميرُ الباري تعالى، وكذا في الثالثة مِنْ " غَشَّى " بالتشديد. و " النعاس " فيهما مفعول به، وأغشى وغشَّى لغتان.

قوله: " أَمَنَةً " في نصبِها ثلاثةُ [أوجه] أحدُها: أنه مصدرٌ لفعلٍ مقدر أي: فَأَمِنْتُم أَمَنةً. الثاني: أنها منصوبة على أنها واقعةٌ موقعَ الحال: إمَّا من الفاعل، فإن كان الفاعلُ " النعاس " فنسبةُ الأمنة إليه مجازٌ، وإن كان الباريَ تعالى كما هو في القراءتين الأخيرتين فالنسبة حقيقةٌ، وإمَّا من المفعولِ على المبالغة أي: جَعْلهم نفسَ الأمنة، أو على حَذْفِ مضاف أي: ذوي أمنة.

السابقالتالي
2 3