الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ }: فاعل " يَسْأل " يعود على معلوم، وهم مَنْ حَضَرَ بَدْراً. و " سأل " تارةً تكونُ لاقتضاء معنى في نَفْسِ المسؤول فتتعدَّى بـ " عن " كهذه الآية، وكقول الشاعر:
2379ـ سَلي إنْ جَهِلْتِ الناسَ عنَّا وعنهمُ   فليس سواءً عالمٌ وجَهولُ
وقد تكون لاقتضاء مالٍ ونحوه فتتعدَّى لاثنين نحو: " سألت زيداً مالاً ". وقد ادَّعى بعضُهم أن السؤالَ هنا بهذا المعنى، وزعم أن " عَنْ " زائدةٌ، والتقدير: يسألونك الأنفالَ، وأيَّد قولَه بقراءة سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعلي بن الحسين وزيدٍ ولدِه ومحمد الباقر ولدِه أيضاً وولده جعفر الصادق وعكرمة وعطاء: " يسألونك الأنفالَ " دون " عن ". والصحيحُ أن هذه القراءةَ على إرادةِ حرفِ الجر. وقال بعضهم: " عن " بمعنى " مِنْ ". وهذا لا ضرورةَ تدعو إليه.

وقرأ ابنُ محيصن: " عَلَّنْفَال ". والأصل: أنه نقل حركةَ الهمزة إلى لام التعريف، ثم اعتدَّ بالحركة العارضة فأدغم النونَ في اللام كقوله:وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم } [العنكبوت: 38]، وقد تقدَّم ذلك في قولهعَنِ ٱلأَهِلَّةِ } [البقرة: 189].

والأنفال: جمع نَفَل وهي الزيادة على الشيء الواجب وسُمِّيَتْ/ الغنيمة نَفَلاً لزيادتِها على حِماية الحَوزة. قال لبيد:
2380ـ إنَّ تقوى ربِّنا خيرُ نَفَلْ   وبإذنِ الله رَيْثي وعَجَلْ
وقال آخر:
2381ـ إنَّا إذا احْمَرَّ الوغَى نَرْوي القَنا   ونَعِفُّ عند مَقاسِمِ الأنفالِ
وقيل: سُمِّيت " الأَنْفال " لأنَّ المسلمين فُضِّلُوا بها على سائر الأمم. وقال الزمخشري: " والنَّفَل: ما يُنْفَلُه الغازي، أي يُعْطاه زيادةً على سهمه من المَغْنم ".

قوله: { ذَاتَ بِيْنِكُمْ }: قد تقدَّمَ الكلامُ على " ذات " في آل عمران. وهي هنا صفةٌ لمفعولٍ محذوف تقديره: وأَصْلِحوا أحوالاً ذاتَ افتراقِكم وذاتَ وَصْلِكم، أو ذاتَ المكانِ المتصلِ بكم، فإنَّ " بين " قد قيل إنه يُراد به هنا الفراقُ أو الوصل أو الظرف. وقال الزجاج وغيره: " إنَّ " ذات " هنا بمنزلة حقيقة الشيء ونفسه " وقد أوضح ذلك ابنُ عطية. والتفسير ببيان هذا أولى.

وقال الشيخ: " والبَيْنُ: الفِراق، و " ذات " نعت لمفعول محذوف أي: وأَصْلِحوا أحوالاً ذات افتراقكم، لمَّا كانت الأحوالُ ملابِسةً للبَيْن أُضِيْفَتْ صفتُها إليه، كما تقول: اسْقِني ذا إنائك أي: ماءً صاحبَ إنائك، لَمَّا لابس الماءُ الإِناءَ وُصِفَ بـ " ذا " وأُضيف على الإِناء. والمعنى: اسقِني ما في الإِناء من الماء ".