الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً }

قوله: { لاَّبِثِينَ }: منصوبٌ على الحالِ من الضميرِ المستترِ في " للطَّاغِين " وهي حالٌ مقدرةٌ. وقرأ حمزةُ " لَبِثِيْنَ " دونَ ألفٍ، والباقون " لابِثين " بها. وضَعَّفَ مكيٌّ قراءةَ حمزةَ، قال: " ومَنْ قرأ " لبِثين " ، شَبَّهه بما هو خِلْقَةٌ في الإِنسان نحو: حَذِر وفَرِق، وهو بعيدٌ؛ لأنَّ اللُّبْثَ ليس مِمَّا يكونُ خِلْقَةً في الإِنسان، وبابُ فَعِل إنما هو لِما يكونُ خِلْقَةً في الإِنسانِ، وليس اللُّبْثُ بخِلْقةٍ ". ورَجَّح الزمخشريُّ قراءةَ حمزةَ فقال: " قُرِىءَ: لابِثين ولَبِثين. والَّلبِثُ أَقْوى "؛ لأنَّ اللابِثَ يُقال لِمَنْ وجِدَ منه الُّلبْثُ، ولا يُقال: لِبثٌ إلاَّ لمَنْ شأنُه الُّلبْثُ كالذي يَجْثُمُ بالمكانِ، لا يكاد يَنْفَكُّ منه ". قلت: وما قاله الزمخشريُّ أَصْوَبُ. وأمَّا قولُ مكيّ: الُّلبْثُ ليس خِلْقَةً فمُسَلَّمٌ؛ لكنه بُوْلِغَ في ذلك فجُعِلَ بمنزلةِ الأشياءِ الخِلْقيَّة.

قوله: { أَحْقَاباً } منصوبٌ على الظرفِ، وناصبهُ " لا بثين " ، هذا هو المشهورُ. وقيل: هو منصوبٌ بقولِه " لا يَذُوقون " وهذا عند مَنْ يرى تقديمَ معمولِ ما بعد " لا " عليها، وهو أحدُ الأوجه، وقد تقدَّم هذا مستوفىً في أواخر الفاتحة. وجَوَّز الزمخشريُّ أَنْ ينتصِبَ على الحالِ، قال: " وفيه وجهٌ آخر: وهو أَنْ يكونَ مِنْ حَقِبَ عامُنا: إذا قَلَّ مطرُه وخيرُه، وحَقِبَ فلانٌ: إذا أَخْطَأَهُ الرِّزْقُ فهو حَقِبٌ، وجمعهُ أَحْقاب، فينتصِبُ حالاً عنهم بمعنى: لابثين فيها حَقِبين جَحِدين ". وقد تقدَّم الكلامُ على " الحُقُب " ، وما قيل فيه في سورة الكهف.