الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }

قوله: { إِمَّا شَاكِراً }: " شاكراً " نصبٌ على الحال، وفيه وجهان، أحدُهما: أنه حالٌ مِنْ مفعولِ " هَدَيْناه " ، أي: هَدَيْناه مُبَيَّناً له كلتا حالتيه. قال أبو البقاء: " وقيل: هي حالٌ مقدرةٌ ". قلت: لأنه حَمَلَ الهدايةَ على أولِ البيانِ له، و [هو] في ذلك الوقتِ غيرُ مُتَّصِفٍ بإحدى الصفتَيْنِ. والثاني: أنه حالٌ من " السبيل " على المجاز. قال الزمخشري: " ويجوزُ أن يكونا حالَيْن من " السبيل " ، أي: عَرَّفْناه السبيلَ إمَّا سبيلاً شاكِراً، وإمَّا سبيلاً كَفُوراً كقوله:وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } [البلد: 10] فوصفَ السبيلَ بالشُّكْرِ والكُفْر مجازاً.

والعامَّةُ على كسر همزة " إمَّا " وهي المرادِفَةُ لـ " أو " وتقدَّم خلافُ النَّحْويين فيها. ونقل مكيٌّ عن الكوفيين أنها هنا " إنْ " الشرطيةُ زِيْدَتْ بعدها " ما " ثم قال: " وهذا لا يُجيزه البَصْريُّون؛ لأن " إن " الشرطيةَ لا تَدْخُلُ على الأسماءِ، إلاَّ أَنْ يُضْمَرَ فعلٌ نحو:وَإِنْ أَحَدٌ } [التوبة: 6]. ولا يَصِحُّ إضمارُ الفعلِ هنا؛ لأنه كان يلزَمُ رَفْعُ " شاكراً " وأيضاً فإنَّه لا دليلَ على الفعلِ " انتهى. قلت: لا نُسَلِّمُ أنه يَلْزَمُ رَفْعُ " شاكراً " مع إضمار الفعلِ، ويُمْكِنُ أَنْ يُضْمَرَ فعلٌ يَنْصِبُ " شاكراً " تقديرُه: " إن خَلَقْناهُ شاكراً فشكورٌ، وإنْ خَلَقْناه كافراً فكفُوْرٌ.

وقرأ أبو السَّمَّال وأبو العجاج بفتحها. وفيها وجهان، أحدُهما: أنَّها العاطفةُ، وإنما لغةُ بعضِهم فَتْحُ همزتها، وأنشدوا على ذلك:
4437ـ يَلْفَحُها أمَّا شمالٌ عَرِيَّةٌ   وأمَّا صَباً جِنْحَ العَشِيِّ هَبوبُ
بفتحِ الهمزةِ. ويجوزُ مع فتحِ الهمزةِ إبدالُ ميمِها الأولى ياءً. قال:
4438ـ....................   أَيْما إلى جَنَّةٍ أَيْما إلى النارِ
وحَذَفَ الواوَ بينهما. والثاني: أنها أمَّا التفصيليةُ، وجوابُها مقدرٌ. قال الزمخشري: " وهي قراءةٌ حسنةٌ والمعنى: أمَّا شاكِراً فَبِتَوْفِيْقِنا، وأمَّا كفُوراً فبِسُوءِ اختيارِه " انتهى. ولم يذكُرْ غيرَه.