الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً }

قوله: { قَوَارِيرَاْ قَوَارِيرَاْ }: اختلف القُراء في هذَين الحرفَيْن بالنسبة إلى التنوين وعَدَمِهِ، وفي الوقوفِ بالألفِ وعَدَمِها كما تقدَّم خلافُهم في { سَلاَسِلَ }. واعلَمْ أنَّ القُرَّاء فيهما على خمسِ مراتبَ، إحداها: تنوينُهما معاً، والوقفُ عليهما: بالألفِ، لنافعٍ والكسائيِّ وأبي بكر. الثانيةُ: مقابِلَةُ هذه، وهي عَدَمُ تنوينِهما وعَدَمُ الوقفِ عليهما بالألفِ، لحمزةَ وحدَه. الثالثة: عَدَمُ تنوينِهما، والوقفُ عليهما بالألف، لهشامٍ وحدَه. الرابعة: تنوينُ الأولِ دونَ الثاني، والوقفُ على الأولِ بالألفِ، وعلى الثاني بدونِها، لابنِ كثيرٍ وحدَه. الخامسةُ: عَدَم تنوينِهما معاً، والوقفُ على الأولِ بالألفِ، وعلى الثاني بدونِها: لأبي عمروٍ وابن ذكوانَ وحفصٍ.

فأمَّا مَنْ نَوَّنَهما فلِما مَرَّ في تنوينِ سلاسل؛ لأنَّهما صيغَةُ منتهى الجمع، ذاك على مَفاعلِ، وذا على مَفاعيل. والوقفُ بالألفِ التي هي بدلٌ من التنوين، وفيه موافقةُ المصاحفِ المذكورةِ فإنَّهما مَرْسومان فيها بالألفِ على ما نَقَلَ أبو عبيد. وأمَّا عَدَمُ تنوينِهما وعَدَمُ الوقفِ بالألف فظاهرٌ جداً. وأمَّا مَنْ نَوَّنَ الأولَ دونَ الثاني، فإنَّه/ ناسَبَ بين الأولِ وبين رؤوسِ الآيِ. ولم يناسِبْ بينَ الثاني وبين الأولِ. والوجهُ في وَقْفِه على الأولِ بالألفِ وعلى الثاني بغيرِ ألفٍ ظاهرٌ. وقد رَوَى أبو عُبيد أنه كذلك في مصاحِف أهلِ البصرة.

وأمَّا مَنْ لم يُنَوِّنْهما، ووقف على الأولِ بالألفِ، وعلى الثاني بدونِها؛ فلأنَّ الأولَ رأسُ آيةٍ فناسَبَ بينه وبين رؤوس الآيِ في الوقفِ بالألفِ. وفَرَّق بينه وبين الثاني؛ لأنه ليسَ برأس آيةٍ. وأمَّا مَنْ لم يُنَوِّنْهما ووقف عليهما بالألفِ فلأنَّه ناسَبَ بين الأول وبين رؤوس الآيِ وناسَبَ بين الثاني وبين الأولِ. وحَصَل مِمَّا تقدَّم في " سلاسل " وفي هذَيْن الحرفَيْنِ أنَّ القُرَّاءَ منهم مَنْ وافَقَ مصحَفَه، ومنهم مَنْ خالفَه لاتِّباع الأثَرِ. وتقدَّم الكلامُ على " قوارير " في سورةِ النمل ولله الحمدُ.

وقال الزمخشري: " وهذا التنوين بدلٌ مِنْ حرفِ الإِطلاقِ لأنَّه فاصلةٌ، وفي الثاني لإِتباعِه الأولَ " يعني أنَّهم يَأْتُون بالتنوينِ بدلاً مِنْ حرفِ الإِطلاق الذي للترنم، كقولِه:
4448ـ يا صاحِ ما هاجَ الدُّموعَ الذُّرَّفَنْ   
وفي انتصابِ " قوارير " وجهان، أحدُهما ـ وهو الظاهرُ ـ أنَّه خبرُ كان. والثاني: أنها حالٌ، و " كان " تامةٌ أي: كُوِّنَتْ فكانَتْ. قال أبو البقاء: " وحَسُن التكريرُ لِما اتَّصل به مِنْ بيانِ أصلِها، ولولا التكريرُ لم يَحْسُنْ أَنْ يكونَ الأولُ رأسَ آيةٍ لشدَّةِ اتصالِ الصفةِ بالموصوفِ. وقرأ الأعمش " قواريرُ " بالرفع على إضمارِ مبتدأ أي: هي قوارير. و " مِنْ فضة " صفةٌ لـ " قوارير ".

قوله: { قَدَّرُوهَا } صفةٌ لـ " قواريرَ ". والواو في " قَدَّروها " فيه وجهان، أحدهما: أنَّه للمُطافِ عليهم. ومعنى تقديرهم إياها: أنهم قَدَّروها في أنفسِهم أَنْ تكونَ على مقاديرَ وأشكالٍ على حَسَبِ شَهَواتِهم، فجاءَتْ كما قَدَّروا.

السابقالتالي
2