الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ }

قوله: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ }: فيه أوجهٌ أحدُها: أَنْ يكون " وجوهٌ " مبتدأً، و " ناضِرةٌ " نعتٌ له، و " يومَئذٍ " منصوبٌ بـ " ناضِرة " و " ناظرةٌ " خبرُه، و " إلى ربِّها " متعلِّقٌ بالخبرِ، والمعنى: أنَّ الوجوهَ الحسنة يومَ القيامة ناظرةٌ إلى اللَّهِ تعالى، وهذا معنىً صحيحٌ وتخريجٌ سَهْلٌ. والنَّاضرَةُ: من النُّضْرَةِ وهي: التنعُّمُ، ومنه غُصْنٌ ناضِر. الثاني: أَنْ يكونَ " وجوهٌ " مبتدأً أيضاً، و " ناضِرَةٌ " خبرُه، و " يومَئذٍ " منصوبٌ بالخبرِ كما تقدَّم. وسَوَّغَ الابتداءَ هنا بالنكرةِ كَوْنُ الموضعِ موضعَ تفصيلٍ كقولِه:
4416ـ....................   فثوبٌ لَبِسْتُ وثوبٌ أَجُرّْ
ويكون " ناظرةٌ " نعتاً لوجوه، أو خبراً ثانياً، أو خبراً لمبتدأ محذوفٍ. و " إلى ربِّها " متعلقٌ بـ " ناظرة " كما تقدَّم. وقال ابنُ عطية: " وابتدأ بالنكرة/ لأنها تخصَّصَتْ بقوله " يومئذٍ ". وقال أبو البقاء: " وجاز الابتداءُ هنا بالنكرةِ لحصول الفائدةِ ". قلت: أمَّا قولُ ابنِ عطيِّةَ ففيه نظرٌ؛ لأنَّ قولَه: " تخصَّصَتْ بقولِه: " يومئذٍ " هذا التخصيصُ: إمَّا لكونِها عاملةً فيه، وهو مُحالٌ؛ لأنها جامدةٌ، وإمَّا لأنَّها موصوفةٌ به وهو مُحال أيضاً؛ لأنَّ الجُثَثَ لا تُوْصَفُ بالزمان كما لا يُخْبَرُ به عنها. وأمَّا قولُ أبي البقاءِ فإنْ أرادَ بحصولِ الفائدةِ ما قدَّمْتُه من التفصيل فصحيحٌ، وإنْ عَنَى ما عناه ابنُ عطيةَ فليس بصحيحٍ لِما عَرَفْتَه.

الثالث: أَنْ يكونَ " وجوهٌ " مبتدأً، و " يومئذٍ " خبرَه، قاله أبو البقاء. وهذا غَلَطٌ مَحْضٌ من حيث المعنى، ومِنْ حيثُ الصناعةُ. أمَّا المعنى فلا فائدةَ في الإِخبارِ عنها بذلك. وأمَّا الصناعةُ فلأنَّه لا يُخْبَرُ بالزمانِ عن الجُثَثِ، وإنْ وَرَدَ ما ظاهرهُ ذلك تُؤُوِّل نحو: " الليلةَ الهلالُ " الرابع: أَنْ يكونَ " وجوهٌ " مبتدأً و " ناضرةٌ " خبرَه، و { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } جملةً في موضعِ خبرٍ ثانٍ، قاله ابن عطية. وفيه نظرٌ؛ لأنَّه لا يَنْعَقِدُ منهما كلامٌ، إذ الظاهرُ تعلُّقُ " إلى " بـ " ناظرة " ، اللهمَّ إلاَّ أَنْ يعنيَ أنَّ " ناظرةٌ " خبرٌ لمبتدأ مضمرٍ، أي: هي ناظرةٌ إلى ربِّها، وهذه الجملةُ خبرٌ ثانٍ. وفيه تَعَسُّفٌ.

الخامس: أَنْ يكونَ الخبرُ لوجوه مقدراً، أي: وجوهٌ يومئذٍ ثَمَّ، و " ناضرةٌ " صفةٌ، وكذلك " ناظرةٌ " ، قاله أبو البقاء. وهو بعيدٌ لعدمِ الحاجةِ إلى ذلك. ولا أدري ما الذي حَمَلهم على هذا مع ظهورِ الوجهِ الأولِ وخُلُوصِه من هذه التعسُّفاتِ؟ وكونُ " إلى " حرفَ جرّ، و " ربِّها " مجروراً بها هو المتبادَرُ للذِّهْنِ.

السابقالتالي
2