الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً }

قوله: { لِّيَعْلَمَ }: متعلقٌ بـ " يَسْلُكُ ". والعامَّةُ على بنائه للفاعلِ. وفيه خلافٌ أي: لِيَعْلَمَ محمدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم. وقيل: لِيَعْلَمَ أي: ليَظْهَرَ عِلْمُه للناس. وقيل: ليَعْلَمَ إبليسُ. وقيل: ليَعْلَمَ المشركون. وقيل: لِيَعْلَمَ الملائكةُ، وهما ضعيفان لإِفرادِ الضميرِ. والضميرُ في " أَبْلَغُوا " عائدٌ على " مَنْ " مِنْ قولِه: " مَنْ ارتَضَى " راعى لفظَها أولاً، فأفردَ في قولِه: { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } ، ومعناها ثانياً فَجَمَعَ في قولِه: " أَبْلَغُوا " إلى آخرِه.

وقرأ ابنُ عباس وزيدُ علي " لِيُعْلَمَ " مبنياً للمفعول. وقرأ ابن أبي عبلةَ والزُّهْري " لِيُعْلِمَ " بضمِّ الياءِ وكسرِ اللامِ أي: لِيُعْلِمَ اللَّهُ ورسولُه بذلك. وقرأ أبو حيوة " رسالة " بالإِفرادِ، والمرادُ الجمعُ. وابن أبي عبلة " وأُحِيْط وأُحْصِيَ " مبنيين للمفعول، " كلُّ " رفعٌ بأُحْصِي.

قوله: { عَدَداً } يجوزُ أَنْ يكونَ تمييزاً منقولاً من المفعولِ به. والأصل: أحصى عددَ كلِّ شيءٍ كقولِه تعالى:وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } [القمر: 12] أي: عيونَ الأرض، على خلافٍ سَبَقَ في ذلك. ويجوزُ أَنْ يكونَ منصوباً على المصدرِ من المعنى؛ لأنَّ " أحصَى " بمعنى عَدَّ، فكأنه قيل: وعَدَّ كلَّ الفعل، والفعلُ إلى المصدر. ومَنَعَ مكي كونَه مصدراً للإِظهار فقال: " عَدَداً " نَصْبٌ على البيانِ، ولو كان مصدراً لأدغم " قلت: يعني: أنَّ قياسَه أَنْ يكونَ على فَعْل بسكونِ العين، لكنه غيرُ لازمٍ فجاء مصدرُه بفتح العين. ولمَّا كان " لِيَعْلَمَ " مضمَّناً معنى: قد عَلِمَ ذلك، جازَ عَطْفُ " وأحاط " على ذلك المقدَّرِ.