الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ }

قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً }: فيه خمسة أوجه، أحدُها: أن هذا الموصولَ في محل رفع بالابتداءِ وخبرُه الجملةُ التشبيهية بعده. قال الزمخشري: " وفي هذا الابتداءِ معنى الاختصاص كأنه قيل: الذين كَذَّبوا شُعَيْباً هم المخصوصون بأن أُهْلِكوا واسْتُؤْصلوا، كأنْ لم يُقيموا في دارهم، لأنَّ الذين اتَّبعوا شعيباً قد أنجاهم الله تعالى ". قلت: قوله " يفيد الاختصاص " هو معنى قولِ الأصوليين: " يفيد الحصر " على خلاف بينهم في ذلك، إذا قلت: " زيد العالم " ، والخلافُ في قولك " العالم زيد " أشهرُ منه فيما تقدَّم فيه المبتدأ.

الثاني: أن الخبرَ هو نفسُ الموصول الثاني وخبره،/ فإن الموصول الثاني مبتدأ، والجملةُ من قوله { كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ } في محل رفع خبراً له، وهو وخبرهُ خبر الأول، و { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ }: إمَّا اعتراضٌ وإمَّا حالٌ من فاعل " كذَّبوا ". الثالث: أن يكونَ الموصولُ الثاني خبراً بعد خبرٍ عن الموصول الأول، والخبرُ الأولُ الجملةُ التشبيهية كما تقدَّم. الرابع: أن يكونَ الموصولُ بدلاً مِنْ قولِه قبلُٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ } [الأعراف: 90] كأنه قال: " وقال الملأُ الذين كفروا منهم الذين كذَّبوا شُعَيْباً " وقوله: { لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً } معمولٌ للقول فليس بأجنبي. الخامس: أنه صفةٌ له أي: للذين كفروا مِنْ قومه. هذه عبارةُ أبي البقاء، وتابعه الشيخ عليها. والأحسنُ أن يُقال: بدلٌ من الملأ أو نعتٌ له، لأنه هو المحدِّثُ عنه والموصولُ صفةٌ له، والجملةُ التشبيهيةُ على هذين الوجهين حالٌ من فاعل " كذَّبوا ".

وأما الموصولُ الثاني فقد تقدَّم أنه يجوزُ أن يكونَ خبراً باعتبارين: أعني كونَه أولَ أو ثانياً، ويجوز أن يكونَ بدلاً من فاعل " يَغْنَوا " أو منصوباً بإضمار " أعني " أو مبتدأ وما بعده الخبر. وهذا هو الظاهر لتكونَ كلُّ جملة مستقلةً بنفسها. وعلى هذا الوجهِ ذكر الزمخشري أيضاً أن الابتداءَ يفيد الاختصاص قال: " أي هم المخصوصون بالخسران العظيم دونَ أتباعه، وقد تقدَّم موضحاً.

وقوله: { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ } يَغْنَوْن: بمعنى يُقيمون يقال: غَنِي بالمكان يَغْنى فيه أي: أقام دهراً طويلاً، وقيَّده بعضُهم بالإِقامة في عيشٍ رغد فهو أخصُّ من مُطْلق الإِقامة. قال الأسود بن يعفر:
2249ـ ولقد غَنَوا فيها بأنعمِ عيشةٍ   في ظلِّ مَلْكٍ ثابتِ الأوتادِ
وقيل: معنى الآيةِ هنا من الغِنى الذي هو ضد الفقر، قاله الزجاج فقال: " وغَنِي في مكان كذا: إذا طالَ مَقامُه فيه مُسْتَغْنياً به عن غيره ".