الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ }

قوله تعالى: { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ }: استثناء من أهله المُنْجَيْن. وقوله: { كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } جوابُ سؤالٍ مقدر. وهذا كما تقدم في البقرة وفي أول هذه السورة في قصة إبليس.

والغابر: المُقيم. هذا هو مشهورُ اللغة، وأنشدوا قول أبي ذؤيب الهذلي:
2239ـ فَغَبَرْتُ بعدهمُ بعيشٍ ناصِبٍ   وإخالُ أني لاحقٌ مُسْتَتْبَعُ
ومنه غُبَّرُ اللبن لبقيَّته في الضَّرْع، وغُبَّرُ الحَيْض أيضاً، قال أبو كبير الهذلي، ويُروى لتأبَّط شراً:
2240ـ ومُبَرَّأً من كل غُبَّرِ حَيْضَةٍ   وفَسادِ مُرْضِعَةً وداءٍ مُعْضِلِ
ومعنى " من الغابرين " في الآية أي: مِن المقيمين في الهلاك. وقال بعضهم: " غَبَر بمعنى مَضَى وذهب " ومعنى الآية يساعده، وأنشد للأعشى:
2241ـ عَضَّ بما أَبْقى المَواسِيْ له   مِنْ أُمِّه في الزمن الغابر
أي: الزمن الماضي. وقال بعضهم: غَبَر أي غاب، ومنه قولهم: " غبر عنا زماناً " وقال أبو عبيدة: " غَبَرَ: عُمِّر دهراً طويلاً حتى هَرِم، ويدل له:إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ } [الصافات: 135]. والحاصلُ أن الغُبور مشتركٌ كعسعس أو حقيقةٌ ومجازٌ وهو المرجح. والغبار: لما يَبْقى من التراب المُثار. ومنهوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } [عبس: 40] تخييلاً لتغيرها واسودادها. والغَبْراء الأرض. قال طرفة:
2242ـ رأيتُ بني غَبْراءَ لا يُنْكِرونني   ولا أهلَ هذاكَ الطرافِ المُمَدَّدِ