الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ }

والرَّجْفَةُ: الزلزلةُ الشديدة يقال: رَجَفَتِ الأرضُ تَرْجُف رَجْفاً ورَجِيْفاً ورجَفاناً. وقيل: الرَّجْفَةُ: الطامَّةُ التي يتزعزعُ لها الإِنسانُ ويضطرب، ومنه قيل للبحر: رَجَّاف لاضطرابه. وقيل: أصلُه مِنْ رجَفَ به البعيرُ إذا حرَّكه في سَيْره، قال ابن أبي ربيعة:
2235ـ ولَمَّا رَأَيْتُ الحجَّ قد حان وقتُه   وظَلَّتْ جِمال القومِ بالحيِّ تَرْجُفُ
والإِرجاف: إيقاعُ الرَّجْفَةِ، وجمعُه الأراجيف ومنه " الأراجيف ملاقيحُ الفِتَنِ ". وقوله:يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ } [النازعات: 4] كقوله:إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } [الزلزلة: 1] ومنه:
2236ـ تُحْيي العظام َالراجفاتِ من البِلى   وليس لداءِ الرُّكبتين طبيبُ
والجُثُوم: اللُّصوقُ بالأرض مِنْ جُثُوم الطائر والأرنب، فإنه يَلْصِقُ بطنَه/ بالأرض، ومنه رجلٌ جُثَمَة وجَثَّامة، كناية عن النؤوم الكَسْلان، وجُثْمان الإِنسان شخصُه قاعداً. وقال أبو عبيد: " الجُثُوم للناس والطيرِ كالبُروك للإِبل. وأنشد لجرير:
2237ـ عَرَفْتُ المُنْتَأَى وعَرَفْتُ منها   مَطايا القِدْر كالحِدَأ الجُثُومِ
قال الكرماني: " حيث ذُكِرت الرَّجْفةُ وُحِّدت الدار، وحيث ذُكرت الصيحةُ جُمِعَتْ، لأنَّ الصيحةَ كانت من السماء فبلوغُها أكبرُ وأبلغُ من الزلزلة، فَذَكَرَ كلَّ واحدٍ بالأليق به. وقيل في دارهم: أي بلدهم. وقيل: المرادُ بها الجنسُ. والفاء في " فَأَخَذَتْهم " للتعقيب. ويمكن أن تكونَ عاطفةً على الجملة من قوله " فَأْتِنا " وذلك على تقديرِ قربِ زمان الهلاك من زمان طلب الإِتيان. ويجوز أن يُقَدَّر ما يَصِحُّ العطفُ عليه بالفاء، والتقدير: فوعدهم العذابَ بعد ثلاث فانقضت فأَخَذَتْهم.

ولا يُلتفت إلى ما ذكره بعضُ الملاحدةِ في قوله { فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ } وفي موضعٍ آخرَ:ٱلصَّيْحَةُ } [هود: 67]، وفي موضع آخربِٱلطَّاغِيَةِ } [الحاقة: 5] واعتقد ما لا يجوز، إذ لا منافاةَ بين ذلك، فإن الرَّجْفَةَ مترتبةٌ على الصيحة، لأنه لمَّا صِيح بهم رَجَفَتْ قلوبُهم فماتوا، فجاز أن يُسْنَدَ الإِهلاكُ إلى كلٍ منهما. وأمَّا " بالطاغية " فالباء للسببية. والطاغية: الطُّغيان مصدر كالعاقبة، ويقال للمَلِكِ الجبار طاغية، فمعنى " أُهْلِكوا بالطاغية " أي بطغيانهم كقوله:كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } [الشمس: 11] أي: بسبب طُغْيانهم.

وقوله " فأصبحوا " يجوز أن تكونَ الناقصةَ، فجاثمين خبرُها، و { في ديارهم } متعلِّقٌ به، ولا يجوزُ أن يكونَ الجارُّ خبراً و " جاثمين " حال لعدمِ الفائدة بقولك " فأصبحوا في دارهم " وإن جاز الوجهان في قولك: " أصبح زيد في الدار جالساً " ، ويجوز أن تكونَ التامَّةَ أي: دخلوا في الصباح، و " جاثمين " حال، والأولُ أظهرُ.