الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }

والعَقْر أصله كشف العراقيب في الإِبل وهو: أن تُضْرب قوائمُ البعير أو الناقة فتقع، وكانت هذه سنَتهم في الذَّبْح. قال امرؤ القيس:
2232ـ ويومَ عَقَرْتُ للعَذارى مطيَّتي   فيا عَجَباً مِنْ رَحْلِها المُتَحَمَّلِ
ثم أُطْلِق على كل نحرٍ، وإن لم يكنْ فيه كَشْفُ عراقيب تسميةً للشيء بما يلازمه غالباً إطلاقاً للسبب على مسبَّبه. هذا قول الأزهري. وقال ابن قتيبة: " العَقْر: القتل كيف كان، عَقَرْتُها فهي معقورة ". وقيل: العَقْرُ: الجرح. وعليه قول امرئ القيس:
2233ـ تقول وقد مال الغَبيط بنا معاً   عَقَرْتَ بعيري يا امرأَ القيسِ فانزِلِ
تريد: جَرَحْتَه بثقلك وتمايُلِكَ. والعُقْر والعَقْر بالفتح، والضم الأصل، ومنه عَقَرْتُه أي: أصبت عَقْره يعني أصلَه كقولهم: كَبَدْتُه ورَأَسْتُه أي: أصبت كَبِده ورأسه، وعَقَرْتَ النخل: قطعته من أصله. والكلب العَقُور منه. والمرأة عاقر، وقد عُقِرَت. والعُقْر بالضم آخر الولد وآخر بيضة، يقال: عُقِر البَيْض. والعَقار: ـ بالفتح ـ المِلْك من الأبنية ومنه " ما غُزي قوم في عُقْر دارهم إلا ذلُّوا " وبعضهم يَخُصُّه بالنخل. والعُقار ـ بالضمِّ ـ الخمر لأنها كالعاقِرة للعقل ورَفَعَ عَقِيْرَته أي: صوتَه، وأصلُه أن رجلاً عَقَر رِجْلَه فَرفَع صوته فاستُعير لكل صائح. والعُقْر بالضم أيضاً: المَهْر.

وقوله: { وَعَتَوْاْ } العُتُوّ والعُتِيُّ: النُّبُوُّ أي: الارتفاع عن الطاعة يقال منه: عَتَا يَعْتُو عُتُوًّاً وعُتِيَّاً، بقلب الواوين ياءين، والأحسنُ فيه إذا كان مصدراً تصحيحُ الواوين كقوله:وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } [الفرقان: 21]. وإذا كان جمعاً الإِعلالُ نحو: قوم عُتِيٌّ لأن الجمعَ أثقلُ، قياسُه الإِعلالُ تخفيفاً. وقوله:أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } [مريم: 69]. وقوله:وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } [مريم: 8] أي: حالةً تتعذَّر مداواتي فيها وهو كقوله:
2234ـ.................   ومن العَناءِ رياضَةُ الهَرِمِ
وقيل: العاتي: الجاسي أي اليابس. ويقال: عَثَا يَعْثُو عُثُوَّاً بالثاء المثلثة من مادة أخرى لأنه يقال: عَثِي يَعْثَى عِثِيَّاً وعثا يَعْثُو عُثُوَّاً، فهو في إحدى لغتيه يشاركه " عتا " بالمثناة وزناً ومعنى، ويقاربه في حروفه. والعَيْثُ أيضاً ـ بتقديم الياء من أسفل على الثاء المثلثة ـ هو الفساد، فيحتمل أن يكونَ أصلاً وأن يكون مقلوباً فيه. وبعضهم يجعل العَيْث الفساد المُدْرَك حسَّاً والعِثِيّ في المُدْرَك حكماً وقد تقدم لك طرف من هذا.

وقوله: { يَا صَالِحُ ٱئْتِنَا } يجوز لك على رواية مَنْ يُسَهِّل الهمزة وهو ورش والسوسي أن تُبْدِلَ الهمزة واواً، فتلفظ بصورة يا صالحُ وْتِنا في الوصل خاصة، تُبْدِل الهمزة بحركة ما قبلها وإن كانت منفصلة من كلمة أخرى. وقرأ عاصم وعيسى بن عمر: أُوْتنا بهمزٍ وإشباعِ ضم، ولعله عاصم الحجدري لا ابن النجود، وهذه القراءة لا تبعد عن الغلط لأن همزة الوصل في هذا النحوِ مكسورةٌ فمن أين جاءت ضمةُ الهمزة إلا على التوهُّم؟

وقوله: { بِمَا تَعِدُنَآ } العائدُ محذوفٌ أي: تَعِدُناه، ولا يجوز أن تقدر " تَعِدُنا " متعدياً إليه بالباء، وإن كان الأصلُ تعديتَه إليه بها؛ لئلا يلزمَ حذفُ العائدِ المجرور بحرفٍ من غير اتحادِ متعلَّقهما، لأنَّ " بما " متعلِّقٌ بالإِتيان، و " به " متعلِّقٌ بالوعد.