الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

وقوله تعالى: { أُبَلِّغُكُمْ }: يجوز أن تكونَ جملةً مستأنفة أُتي بها لبيان كونِه رسولاً، ويجوز أن تكونَ صفةً لرسول، ولكنه راعى الضمير السابق الذي للمتكلم فقال: " أُبَلِّغُكُمْ " ولو راعى الاسمَ الظاهر بعده لقال: يُبَلِّغكم، والاستعمالان جائزان في كل اسم ظاهر سبقه ضميرٌ حاضر من متكلم أو مخاطب فتحرَّر لك فيه وجهان: مراعاةُ الضميرِ السابق وهو الأكثر ومراعاةُ الاسمِ الظاهر، فتقول: " أنا رجلٌ أفعل كذا " مراعاةً لـ: أنا. وإن شئت " أنا رجلٌ يفعل كذا " مراعاةً لرجل، ومثله: " أنت رجل تفعل ويفعل " بالخطاب والغيبة. وقولهبَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } [النمل: 47] جاء على الأكثر. ومثله ما لو وقع بعد الضمير موصولٌ نحو: " أنا الذي فَعَلْتُ وفعل " ، و " أنت الذي فعل وفعلت ". ومنه:
2225ـ نحن الذين بايَعُوا محمَّداً   على الجهاد ما بقينا أبدا
فَجَمَعَ بين الاستعمالين، وقد تقدَّم هذا بأوضحَ منه هنا.

وقرأ أبو عمرو: " أُبْلِغُكم " بالتخفيف والباقون بالتشديد، وهذا الخلافُ جارٍ هنا في الموضعَيْن وفي الأحقاف. والتضعيف والهمزةُ للتعدية كأنزل ونَزَّل. وجمع " رسالة " باعتبار أنواعها من أمرٍ ونهيٍ ووَعْظٍ وزجر وإنذار وإعذار. وقد جاء الماضي على أفْعَل في قولهفَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ } [هود: 57] فهذا شاهدٌ لقراءة أبي عمرو، وجاء على فَعَّل في قوله:فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } [المائدة: 67] فهذا شاهدٌ لقراءة الجماعة.