الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }

والبلد يُطْلَقُ على كل جزءٍ من الأرض عامراً كان أو خراباً، وأنشدوا على ذلك قولَ الأعشى:
2221ـ وبلدةٍ مثلِ ظَهْر التُّرْسِ مُوْحشةٍ   للجنِّ بالليل في حافاتِها زَجَلُ
و { بِإِذْنِ رَبِّهِ } يجوز أن تكونَ الباءُ سببيةً أو حاليةً. وقوله: " إلا نَكِداً " فيه وجهان أحدُهما: أن ينتصب حالاً أي عَسِراً مُبْطئاً. يقال منه نَكِد يَنْكَد نَكَداً بالفتح فهو نَكِد بالكسر. والثاني: أن ينتصب على أنه نعتُ مصدرٍ محذوف أي: إلا خروجاً نَكَداً. وَصَفَ الخروجَ بالنَّكَد كما يوصف به غيرُه، ويؤيِّده قراءة أبي جعفر ابن القعقاع " إلا نَكَداً " بفتح الكاف. قال الزجاج: " وهي قراءةُ أهل المدينة " وقراءة ابن مصرِّف " إلا نَكْداً " بالسكون وهما مصدران. وقال مكي: " هو تخفيف نَكِد بالكسر مثل كَتْف في كتِف " يقال: رجل نَكِد وأَنْكد. والمَنْكُود: العطاء النَّزْر، وأنشدوا في ذلك:
2222ـ وأَعْطِ ما أَعْطَيْتَه طَيِّباً   لا خيرَ في المَنْكودِ والناكد
وأنشدوا أيضاً:
2223ـ لا تُنْجزِ الوعدَ إنْ وَعَدْتَ وإنْ   أَعْطَيْتَ أَعْطَيْتَ تافِهاً نَكِدا؟
وقوله: { كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ } كما تقدَّم في نظيره. وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وعيسى بن عمر: " يُخْرَج " مبنياً للمفعول. " نباتُه " مرفوعاً لقيامِه مَقامَ الفاعل وهو الله تعالى. وقوله: { وَٱلَّذِي خَبُثَ } صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ أي: والبلد الذي خَبُث، وإنما حُذِف لدلالةِ ما قبلَه عليه، كما أنه قد حُذِف منه الجارُّ في قوله " بإذن ربه " ، إذ التقديرُ: والبلد الذي خَبُث لا يَخْرُج بإذن ربه إلا نكداً. ولا بد من مضاف محذوف: إمَّا من الأول تقديره: وبيان الذي خَبُث لا يَخْرُج، وإمَّا من الثاني تقديرُه: والذي خَبُث لا يخرج نباته إلا نكداً. وغايَر بين الموصولين فجاء بالأول بالألف واللام، وفي الثاني جاء بالذي، ووُصِلَتْ بفعل ماضٍ.