الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

قوله تعالى: { بُشْراً }: قد تقدَّم خلافُ القراء في إفراد " الريح " وجمعها بالنسبة إلى سائر السور في البقرة. وأمَّا " بُشْراً " فقرأه في هذه السورة ـ وحيث ورد في غيرها من السور ـ نافع وأبو عمرو وابن كثير بضم النون والشين، وهي قراءةُ الحسن وأبي عبد الرحمن وأبي رجاء بخلافٍ عنهم وشيبة بن نصاح والأعرج وعيسى بن عمر وأبي يحيى وأبي نوفل الأعرابيين. وفي هذه القراءة وجهان فيتحصَّل فيها ستة أوجه، أحدها: أنَّ " نُشُراً " جمع ناشر كبازِل وبُزُل وشارِف وشُرُف وهو جمع شاذ في فاعل. ثم " نشر " هذا اختُلِفَ في معناه فقيل: هو على النسب: إمَّا إلى النَّشْر ضد الطيّ، وإمَّا إلى النشور بمعنى الإِحياء كقوله:وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ } [الملك: 15] والمعنى: ذا نشر أو ذا نشور كـ " لابن " و " تامر ". وقيل: هو فاعِل مِنْ نَشَر مطاوع أَنْشر يقال: أنشر الله الميت فنشر فهو ناشر وأنشد:
2218ـ حتى يقولَ الناسُ ممَّا رَأَوا   يا عجباً للميتِ الناشِرِ
وقيل: ناشر بمعنى مُنْشِر أي: المُحْيي تقول: نشر الله الموتى وأنشرها، ففَعَل وأَفْعَل على هذا بمعنى واحد، وهذه الثالثة ضعيفة.

الوجه الثاني: أن " نُشُراً " جمع نَشُور. هذا فيه احتمالان، أحدهما: ـ وهو الأرجح ـ أنه بمعنى فاعِل، وفَعول بمعنى فاعِل ينقاس جمعُه على فُعُل كصَبُور وصُبُر وشكور وشُكُر. والثاني: أنه بمعنى مفعول كرَكوب وحَلوب بمعنى مَرْكوب ومحلوب قالوا: لأنَّ الريح تُوْصَفُ بالموتِ وتوصفُ بالإِحياء، فمن الأولِ قولُه:
2219ـ إني لأرجو أن تموتَ الريحُ   فأقعدُ اليومَ وأستريحُ
ومن الثاني قولهم: " أنشرَ اللهُ الريحَ وأحياها " وفَعول بمعنى مفعول يُجْمع على فُعُل كرسول ورُسُل. وبهذا قال جماعة كثيرة، إلا أن ذلك غيرُ مقيس في المفرد/ وفي الجمع، أعني أنه لا ينقاس فَعول بمعنى مفعول لا تقول: زيد ضَروب ولا قتول بمعنى مضروب ومقتول، ولا ينقاس أيضاً جمعُ فَعُول بمعنى مفعول على فُعُل.

وبيان ستة الأوجه في هذه القراءةِ: أنها جمع لناشِر بمعنى ذا نشر ضد الطيّ. الثاني: جمع ناشِر بمعنى ذي نشور. الثالث: جمع ناشر مطاوع أنشر. الرابع: جمعُ ناشِر بمعنى مُنْشِر. الخامس: جمع نُشور بمعنى فاعل. السادس: جمع نُشور بمعنى مَفْعول.

وقرأ ابنُ عامر بضمِّ النون وسكون الشين وهي قراءةُ ابن عباس وزر ابن حبيش ويحيى بن وثاب والنخعي وابن مصرف والأعمش ومسروق. وقد كُفِينا مؤونةَ تخريج هذه القراءة بما ذُكِر في القراءة قبلَها فإنَّها مخففةٌ منها كما قالوا: رُسْل في رُسُل وكُتْب في كُتُب، فَسَلَبُوا الضمةَ تخفيفاً، وإذا كانوا قد فعلوا ذلك في المفرد الذي هو أخفُّ من الجمع كقولهم في عُنُق: عُنْق، وفي طُنُب، طُنْب فما بالُهم في الجمع الذي أثقل من المفرد؟

وقرأ الأخَوان: " نَشْراً " بفتح النون وسكون الشين.

السابقالتالي
2 3