الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ }: الجمهور على رفع الجلالة خبراً لـ " إنَّ " ، ويَضْعُف أن تُجْعل بدلاً من اسم " إنَّ " على الموضع عند مَنْ يرى ذلك، والموصولُ خبرٌ لـ " إنَّ " وكذا لو جَعَلَه عطفَ بيان، ويتقوَّى هذا بنصب الجلالة في قراءة بكار فإنها فيها بدلٌ أو بيانٌ لاسم " إنَّ " على اللفظ، ويضعف أن تكونَ خبرَها عند مَنْ يرى نَصْبَ الجزأين فيها كقوله:
2209ـ إذا اسْوَدَّ جنحُ الليلِ فلتأتِ ولتكنْ   خُطاك خِفافاً إنَّ حُرَّاسنا أُسْدا
وقوله:
2210ـ إنَّ العجوزَ خَبَّةً جَرُوزا   تأكلُ كلَّ ليلةٍ قَفيزا
قيل: ويؤيد ذلك قراءةُ الرفع أي في جَعْلها إياه خبراً، فالموصولُ نعتٌ لله أو بيان له أو بدل منه، أو يُجْعل خبراً لـ إنَّ على ما تقدم من التخاريج، ويجوز أن يكون معطوفاً على المدح رفعاً أو نصباً.

وقوله: { فِي سِتَّةِ } أصل ستة: سِدْس فقُلِبَتْ السينُ تاءً فلاقَتْها الدال وهي مقاربةٌ لها ساكنة فوجب الإِدغام، وهذا الإِبدالُ لازمٌ، ويدلُّ على أن هذا هو الأصل رجوعُه في التصغير إلى سُدَيْسَةٍ وفي الجمع [أَسْداس، وقولهم: جاء فلان سادساً وساتَّاً وسادِياً بالياء مثناة] مِنْ أسفل قال الشاعر:
2211ـ...............   وتَعْتَدُّني إن لم يَقِ اللهُ ساديا
أي سادساً فأبدلها ياء.

و { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } الظاهر أنه ظرفٌ لـ { خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } فاسْتُشْكِل على ذلك: أن اليوم إنما هو بطلوع الشمس وغروبها وذلك إنما هو بعد وجودِ السماوات والأرض. وأجابوا عنه بأجوبة منها: أن الستةَ ظرفٌ لخلق الأرض فقط، فعلى هذا يكون قوله { خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ } مطلقاً لم يُقَيَّدْ بمدة، ويكون قولُه " والأرض " مفعولاً بفعل مقدر أي وخلق الأرض، وهذا الفعلُ مقيدٌ بمدة ستة أيام، وهذا قولٌ ضعيف جداً. وقوله " ثم استوى " الظاهرُ عَوْدُ الضمير على الله تعالى بالتأويل المذكور في البقرة. وقيل: الضمير يعود على الخَلْق المفهوم مِنْ خَلَق أي: ثم استوى خَلْقُه على العرش. ومثله:ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } [طه: 5] قالوا: يحتمل أن يعود الضمير في " استوى " على الرحمن، وأن يعود على الخَلْق، ويكون " الرحمن " خبراً لمبتدأ محذوف أي: هو الرحمن.

والعرش: يُطْلق بإزاءِ معانٍ كثيرة فمنه سرير المَلِك، وعليهنَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا } [النمل: 41]وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ } [يوسف: 100]. ومنه السلطان والعزُّ، وعليه قول زهير:
2212ـ تدارَكْتُما عبساً وقد ثُلَّ عرشُها   وذبيانَ إذ زلَّتْ بأقدامها النَّعْلُ
2213ـ إنْ يَقْتُلوك فقد ثَلَلْتُ عروشَهُمْ   بربيعةَ بن الحارث بن شهاب
ومنه خشب تُطوى به البئرُ بعد أن يُطوى بالحجارة أسفلُها. ومنه ما يلاقي ظهر القدم وفيه الأصابع. ومنه السقف وكلُّ ما علاك فهو عرش، وكأن المادة دائرة مع العلو والرفعة، ويقال لأربعة كواكب صغار أسفلَ من العَوَّاء.

السابقالتالي
2 3