الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ فِي ٱلنَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { فِيۤ أُمَمٍ }: يجوز أن يتعلَّق قولُه " في أمم " وقوله: " في النار " كلاهما بادخلوا فيجيء الاعتراضُ المشهور: وهو كيف يتعلَّق حرفا جر متحدا اللفظ والمعنى بعاملٍ واحد؟ فيُجاب بأحد وجهين: إمَّا أنَّ " في " الأولى ليست للظرفية بل للمعيَّة، كأنه قيل: ادخلوا مع أممٍ أي: مصاحبين لهم في الدخول، وقد تأتي " في " بمعنى مع كقوله تعالى:وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ } [الأحقاف: 16]. وقول الشاعر:
2193ـ شموسٌ وَدُوْدٌ في حياءٍ وعفةٍ   رخيمةُ رَجْع الصوتِ طيبةُ النَّشْر
وإمَّا بأنَّ " في النار " بدلٌ من قوله " في أمم " وهو بدلُ اشتمال كقوله تعالى:أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ، ٱلنَّارِ } [البروج: 4] فإن " النارِ " بدلٌ من " الأخدود " ، كذلك " في النار " بدلٌ من " أممٍ " بإعادة العامل بدل اشتمال، وتكونُ الظرفيةُ في " في " الأولى مجازاً؛ لأن الأمم ليسوا ظروفاً لهم حقيقة، وإنما المعنى: ادخلوا في جملةِ أممٍ وغمارِهم. ويجوز أن تتعلق " في أمم " بمحذوفٍ على أنه حال أي: كائنين في جملة أمم. و " في النار " متعلق بخَلَتْ أي: تسبقكم في النار.

ويجوز أن تتعلق بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لأمم فتكون " أمم " قد وُصِفَتْ بثلاثة أوصاف، الأول: الجملةُ الفعليةُ وهي قولُه " قد خَلَتْ " ، والثاني: الجار والمجرور وهو قوله { مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } ، والثالث: قولُه " في النار " ، والتقدير: في أمم خاليةٍ من قبلكم كائنةٍ من الجن والإِنس ومستقرةٍ في النار.

ويجوز أن تتعلَّق " في النار " بمحذوفٍ أيضاً لا على الوجه المذكور، بل على كونِه حالاً مِنْ " أمم " ، وجاز ذلك وإن كانَتْ نكرة لتخصُّصها بالوَصْفَيْن المشارِ إليهما. ويجوز أن يكونَ حالاً من الضمير في " خَلَتْ " إذ هو ضميرُ الأمم. وقُدِّمَتْ/ الجنُّ على الإِنس لأنهم الأصلُ في الإِغواء.

وقوله " حتى " هذه غاية لما قبلها، والمعنى: أنهم يدخلون فوجاً فوجاً لاعناً بعضُهم لبعض إلى انتهاء تداركهم فيها. والجمهور قرؤوا " إذا ادَّاركوا " بوصل الألف وتشديد الدال، والأصلُ: تداركوا، فلما أريد إدغامُه فُعِل به ما فُعِل بادَّارَأْتم. وقد تقدَّم تحقيقُ تصريفه في البقرة.

قال مكي: " ولا يُسْتطاع اللفظُ بوزنها مع ألف الوصل؛ لأنَّك تَرُدُّ الزائد أصلياً فتقول: افَّاعلوا، فتصير تاء تفاعَل فاءَ الفعل لإِدغامها في فاء الفعل، وذلك لا يجوز فإنْ وَزَنْتَها على الأصل فقلت: تَفَاعلوا جاز ". قلت: هذا الذي ذَكَر مِنْ كونه لا يمكن وزنُه إلا بالأصل وهو تفاعلوا ممنوع. قوله: " لأنك تَرُدُّ الزائدَ أصلياً " قلنا: لا يلزم ذلك لأنَّا نَزِنُه بلفظِه مع همزةِ الوصل ونأتي بتاء التفاعل بلفظها فنقول: وزنُ ادَّاركوا اتْفاعَلوا فيُلْفَظُ بالتاءِ اعتباراً بأصلها لا بما صارت إليه حالَ الإِدغام.

السابقالتالي
2 3