الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

وقوله تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ }: استفهامٌ معناه التوبيخُ والإِنكار، وإذا كان للإِنكارِ فلا جوابَ له إذ لا يُراد به استعلامٌ، ولذلك نُسِب مكي إلى الوهم في زعمه أن قوله: قل هي للذين آمنوا إلى آخره جوابه.

وقوله { مِنَ ٱلرِّزْقِ } حالٌ من " الطيبات ". قوله " خالصة " قرأها نافع رفعاً، والباقون نصباً. فالرفع من وجهين أحدهما: أن تكون مرفوعةً على خبر المبتدأ وهو " هي " ، و " للذين آمنوا " متعلِّقٌ بـ " خالصة " ، وكذلك يوم القيامة، وقال مكي: " ويكون قوله للذين تبييناً ". قلت: فعلى هذا تتعلق بمحذوف كقولهم: سَقْياً لك وجَدْعاً له. و " في الحياة الدنيا " متعلِّقٌ بآمنوا، والمعنى: قل الطيبات/ خالصة للمؤمنين في الدنيا يوم القيامة أي: تَخْلُص يومَ القيامة لِمَنْ آمن في الدنيا، وإن كانت مشتركاً فيها بينهم وبين الكفار في الدنيا، وهو معنى حسن. وقيل: المراد بخلوصها لهم يوم القيامة أنهم لا يُعاقبون عليها، وإلى تفسير هذا نحا سعيد بن جبير.

الثاني: أن يكون خبراً بعد خبر، والخبر الأول قوله " للذين آمنوا " ، و " في الحياة الدنيا " على هذا متعلِّقٌ بما تعلق به الجارُّ من الاستقرار المقدر، ويوم القيامة معمولٌ لخالصة كما مَرَّ في الوجه قبله، والتقدير: قل الطيبات مستقرة أو كائنة للذين آمنوا في الحياة الدنيا، وهي خالصة لهم يوم القيامة، وإن كانوا في الدنيا يُشاركهم الكفار فيها. ولَمَّا ذكر الشيخ هذا الوجه لم يُعَلِّقْ " في الحياة " إلا بالاستقرار، ولو عَلَّق بآمنوا كما تقدَّم في الوجهِ قبله لكان حسناً وكون " خالصة " خبراً ثانياً هو مذهبُ الزجاج، واستحسنه الفارسي ثم قال: " ويجوز عندي " ، فذكر الوجه الأول كما قررته ولكن بأخصر عبارة.

والنصبُ من وجهٍ واحد وهو الحال، و " للذين آمنوا " خبر " هي " فيتعلق بالاستقرار المقدر، وسيأتي أنه يتعلَّق باستقرار خاص في بعض التقادير عند بعضهم.

و { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } على ما تقدَّم مِنْ تعلُّقِه بآمنوا أو بالاستقرار المتعلِّق به " للذين ". و " يوم القيامة " متعلِّقٌ أيضاً بخالصة، والتقدير: قل الطيباتُ كائنةٌ أو مستقرة للمؤمنين في الحياة حالَ كونهم مقدَّراً خلوصُها لهم يوم القيامة. وسَمَّى الفراء نصبَها على القطع فقال: " خالصةً نصبٌ على القطع " ، وجعلَ خبر " هي " في اللام التي في قوله " للذين ". قلت: يعني بالقطع الحال.

وجوَّز أبو علي أن يتعلق { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } بمحذوف على أنه حال، والعامل فيها ما يعمل في " للذين آمنوا ".

السابقالتالي
2 3