الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }

قوله تعالى: { فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ }: في نصب " فريقاً " وجهان أحدُهما: أنه منصوب بهدى بعده، وفريقاً الثاني منصوب بإضمار فعلٍ يفسِّره قولُه { حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ } من حيث المعنى، والتقدير: وأضلَّ فريقاً حَقَّ عليهم، وقَدَّره الزمخشري: " وخَذَل فريقاً " لغرضٍ له في ذلك. والجملتان الفعليتان في محل نصب على الحال من فاعل " بدأكم " أي: بَدَأكم حالَ كونه هادياً فريقاً ومُضِلاً آخر، و " قد " مضمرةٌ عند بعضهم. ويجوز على هذا الوجهِ أيضاً أن تكون الجملتان الفعليتان مستأنفتَيْن، فالوقفُ على " يعودون " على هذا الإِعرابِ تامٌّ بخلاف ما إذا جَعَلهما حالَيْن، فالوقفُ على " يعودون " على هذا الإِعرابِ تامٌّ بخلاف ما إذا جَعَلهما حالَيْن، فالوقفُ على قوله " الضلالة ".

الوجه الثاني: أن ينتصبَ " فريقاً " على الحال من فاعل " تَعُودون " أي: تعودون: فريقاً مَهْدِيَّاً وفريقاً حاقَّاً عليه الضلالة، وتكون الجملتان الفعليتان على هذا في محل نصب على النعت لفريقاً وفريقاً، ولا بد حينئذ من حَذْفِ عائد على الموصوف من هَدَى أي: فريقاً هداهم، ولو قَدَّرْته " هداه " بلفظ الإِفراد لجاز، اعتبار بلفظ " فريق " ، إلا أن الأحسنَ الأول لمناسبة قوله: { وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ } ، والوقف حينئذ على قوله " الضلالة " ، ويؤيد إعرابَه حالاً قراءةُ أُبَيّ بن كعب: " تعودون فريقَيْن: فريقاً هدى وفريقاً حقَّ عليهم الضلالة " ففريقَيْن نصب على الحال، وفريقاً وفريقاً بدل أو منصوب بإضمار أعني على القطع، ويجوز أن ينتصبَ فريقاً الأول على الحال من فاعل تعودون، وفريقاً الثاني نصب بإضمار فعلٍ يفسِّره " حقَّ عليهم الضلالة " كما تقدم تحقيقه في كل منهما.

وهذه الأوجهُ كلُّها ذكرها ابن الأنباري فإنه قال كلاماً حسناً، قال رحمه الله: " انتصب فريقاً وفريقاً على الحال من الضمير الذي في تعودون، يريد: تعودون كما ابتدأ خَلْقُكم مختلفين، بعضكم أشقياء وبعضكم سُعَداء، فاتصل " فريق " وهو نكرةٌ بالضمير الذي في " تعودون " وهو معرفة فقُطِع عن لفظه، وعُطِف الثاني عليه ". قال: " ويجوز أن يكونَ الأول منصوباً على الحال من الضمير، والثاني منصوب بحقَّ عليهم الضلالة، لأنه بمعنى أضلَّهم كما يقول القائل: " عبد الله أكرمته وزيداً أحسنت إليه " فينتصب زيداً بأحسنت إليه بمعنى نَفَعْته، وأنشد:
2185ـ أثعلبةَ الفوارسِ أم رِياحا   عَدَلْتَ بهم طُهَيَّةَ والخِشابا
نصب ثعلبة بـ " عَدَلْتَ بهم طهية " لأنه بمعنى أَهَنْتَهم أي: عَدَلْت بهم مَنْ هو دونَهم، وأنشد أيضاً قوله:
2186ـ يا ليت ضيفَكمُ الزبيرَ وجارَكم   إيايَ لبَّس حبلَه بحبالي

السابقالتالي
2