الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }

قوله تعالى: { يُوَارِي }: في محلِّ نصبٍ صفةً للباساً. وقوله " وريشاً " يُحْتمل أن يكونَ من باب عطف الصفات، والمعنى: أنه وصف اللباس بشيئين: مواراةِ السَّوْءة والزينة، وعبَّر عنها بالريش، لأنَّ الريش زينةٌ للطائر، كما أن اللباس زينة للآدميين ولذلك قال الزمخشري: " والريش لباسُ الزينة " ، استعير مِنْ ريش الطير لأنه لباسُه وزينتُه ". ويُحْتَمل أن يكون من باب عطف الشيء على غيره أي: أَنْزَلْنا عليكم لباسَيْن لباساً موصوفاً بالمواراة ولباساً موصوفاً بالزينة، وهذا اختيار الزمخشري فإنه قال بعدما حَكَيْتُه عنه آنفاً: " أي: أنزلنا عليكم لباسَيْن لباساً يواري سَوْءاتكم ولباساً يُزَيِّنُكم، لأن الزينةَ غرضٌ صحيح كما قال تعالى:لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } [النحل: 8]وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ } [النحل: 6] وعلى هذا فالكلام في قوة حذف موصوف وإقامة صفته مُقامه والتقدير: ولباساً ريشاً أي: ذا ريش ".

والرِّيْشُ فيه قولان، أحدهما: أنه اسم لهذا الشيءِ المعروف. والثاني: أنه مصدرٌ يُقال " راشَه يَريشه رِيْشاً إذا جعل فيه الرِّيش، فينبغي أن يكون الريشُ مشتركاً بين المصدر والعين وهذا هو التحقيق. وقرأ عثمان وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسُّلمي وعلي بن الحسين وابنه زيد وأبو رجاء وزر بن حبيش، وعاصم وأبو عمرو في رواية عنهما: " ورِياشاً " ، وفيها تأويلان أحدهما ـ وبه قال الزمخشري ـ أنه جمع رِيْش فيكون كشِعْب وشِعاب. والثاني: أنه مصدرٌ أيضاً فيكون ريش ورياش مصدَريْن لـ راشه الله رَيشاً ورياشاً أي: أنعم عليه. وقال الزجاج: " اللباس، فعلى هذا هما اسمان للشيء الملبوس قالوا: لِبْس ولِباس ". قلت: وقد جَوَّز الفراء أن يكون مصدراً فأخذ الزمخشري بأحد القولين، وغيرُه بالآخر، وأنشدوا:
2178ـ ورِيْشي منكمُ وهَوايَ مَعْكمْ   وإن كانت زيارتُكم لِماما
قوله: { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } قرأ نافع وابن عامر والكسائي " لباسَ " بالنصب والباقون " لباسُ " بالرفع. فالنصب نسقاً على " لباساً " أي: أنزلنا لباساً موارياً وزينة، وأنزلنا أيضاً لباس التقوى، وهذا يُقَوِّي كون " ريشاً " صفةً ثانية للباساً الأول إذ لو أراد أنه صفة لباسٍ ثانٍ لأبرز موصوفه كما أبرز هذا اللباسَ المضاف للتقوى.

وأمَّا الرفعُ فمِنْ خمسة أوجه، أحدها: أن يكون " لباس " مبتدأ، و " ذلك " مبتدأ ثان و " خير " خبر الثاني، والثاني وخبره خبر الأول، والرابطُ هنا اسمُ الإِشارةِ وهو أحدُ الروابط الخمسة المتفق عليها، ولنا سادسٌ فيه خلافٌ تقدَّم التنبيه عليه. وهذا الوجهُ هو أَوْجَهُ الأعاريب في هذه الآية الكريمة. الثاني: أن يكون " لباس " خبرَ مبتدأ محذوف أي: وهو لباس التقوى، وهذا قول أبي إسحاق الزجاج، وكأن المعنى/ بهذه الجملة التفسيرُ للّباس المتقدم، وعلى هذا فيكون قوله " ذلك " جملةً أخرى من مبتدأ وخبر.

السابقالتالي
2 3