قوله تعالى: { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ }: العامة على تشديد " وليي " مضافاً لياء المتكلم المفتوحة وهي قراءة واضحة. أضاف الوليّ إلى نفسه. وقرأ أبو عمرو في بعض طرقه: " إن وليَّ " بياء واحدة مشددة مفتوحة، وفيها تخريجان أحدهما: قال أبو علي: " إن ياء فعيل مدغمةٌ في ياء المتكلم، وإن الياء التي هي لام الكلمة محذوفةٌ، ومنع من العكس. والثاني: أن يكون " وليَّ " اسمها وهو اسمٌ نكرةٌ غيرُ مضاف لياء المتكلم والأصل: إن ولياً الله، فولياً اسمُها واللهُ خبرها، ثم حذف التنوين لالتقاء الساكنين كقوله:
2363ـ فالفيته غيرَ مُسْتَعْتِبٍ
ولا ذاكرَ اللهَ إلا قليلا
وكقراءة من قرأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدُ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } [الصمد: 1-2]. ولم يبق إلا الإِخبارُ عن نكرةٍ بمعرفة وهو واردٌ، قال الشاعر:
2364ـ وإنَّ حراماً أن أَسُبَّ مجاشعاً
بآبائي الشمِّ الكرام الخضارم
وقرأ الجحدري في رواية: " إن وليِّ الله " بكسر الياء مشددة، وأصلُها أنه سَكَّن ياء المتكلم فالتقت مع لام التعريف، فحذفت لالتقاء الساكنين وبقيت الكسرة تدلُّ عليها نحو: إنَّ غلامِ الرجلُ. وقرأه في رواية أخرى: " إن وليَّ الله " بياء مشددة والجلالة بالجر، نقلها عنه أبو عمرو الداني، أضاف الوليّ إلى الجلالة. وذكر الأخفش وأبو حاتم هذه القراءة عنه، ولم يذكرا نصب الياء. وخرَّجها الناس على ثلاثة أوجه، الأول ـ قولُ الأخفش ـ وهو أن يكون وليّ الله اسمها، والذي نزَّل الكتاب خبرها، والمراد بالذي نزَّل الكتاب جبريل، يدلُّ عليه قولُه تعالى{ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } [الشعراء: 193]{ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ } [النحل: 102] إلا أن الأخفش قال في قوله " وهو يتولى الصالحين " هو مِنْ صفة الله قطعاً لا من صفة جبريل، وفي تَحَتُّم ذلك نظرٌ. والثاني: أن يكون الموصوف بتنزيل الكتاب هو الله تعالى، والمراد بالموصول النبي صلى الله عليه وسلم ويكون ثَمَّ عائدٌ محذوف لفهم المعنى، والتقدير: إنَّ وليَّ الله النبيُّ الذي نَزَّل الله الكتاب عليه، فحذف " عليه " وإن لم يكن مشتملاً على شروط الحذف لكنه قد جاء قليلاً كقوله:/
2365ـ وإن لساني شُهْدةٌ يُشْتفى بها
وهُوَّ على مَنْ صَبَّه الله عَلْقَمُ
أي: صَبَّه الله عليه. وقال آخر:
2366ـ فأصبح من أسماء قيسٍ كقابضٍ
على الماء لا يدري بما هو قابضُ
أي: بما هو قابض عليه. وقال آخر:
2367ـ لعلَّ الذي أَصْعَدْتِني أن يَرُدَّني
إلى الأرض إن لم يَقْدِرِ الخيرَ قادرُهْ
أي: أَصْعَدْتني به. وقال آخر:
2368ـ ومِنْ حَسَدٍ يجورُ عليَّ قومي
وأيُّ الدهر ذو لم يحسُدوني
وقال آخر:
2369ـ فقلت لها لا والذي حَجَّ حاتمٌ
أخونُكِ عهداً إنني غيرُ خَوَّانِ
أي: حجَّ إليه. وقال آخر:
2370ـ فَأَبْلِغَنَّ خالدَ بنَ عَضْلَةٍ
والمَرْءُ مَعْنِيٌّ بلومِ مَنْ يثقْ
أي: يثق به، وإذا ثَبَتَ أن الضميرَ يُحْذف في مثل هذه الأماكن وإن لم يكمل شرطُ الحذف فلهذه القراءة في التخريج المذكور أسوة بها. والثالث: أن يكون الخبر محذوفاً تقديره: إن وليَّ الله الصالحُ أو مَنْ هو صالح، وحُذف لدلالة قوله " وهو يتولَّى الصالحين " وكقوله:{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ } [أي: معذَّبون، وكقوله:{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ } [الحج: 25].