الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ }: العامَّة على تشديد إنَّ فالموصولُ اسمُها وعبادٌ خبرها. وقرأ سعيد بن جبير بتخفيف " إنْ " ونصب " عباد " و " أمثالكم ". وقد خَرَّجها أبو الفتح ابن جني وغيره أنها " إنْ " النافيةُ، وهي عاملةٌ عملَ " ما " الحجازية، وهذا مذهب الكسائي وأكثرُ الكوفيين غيرَ الفراء، وقال به من البصريين ابن السراج والفارسي وابن جني، واختلف النقل عن سيبويه والمبرد. والصحيح أن إعمالَها لغةٌ ثابتة نظماً ونثراً وأنشدوا:
2360ـ إنْ هو مستولياً على أحد   إلا على أَضْعف المجانين
ولكن قد استشكلوا هذه القراءة من حيث إنها تنفي كونهم عباداً أمثالهم، والقراءة الشهيرة تُثْبت ذلك، ولا يجوز التناقض في كلام الله تعالى. وقد أجابوا عن ذلك بأن هذه القراءة تُفْهم تحقيرَ أمرِ المعبود من دون الله وغباوةَ عابدِه، وذلك أن العابدين أتمُّ حالاً وأقدرُ على الضرِّ والنفع من آلهتهم فإنها جمادٌ لا تفعل شيئاً من ذلك فكيف يَعْبُد الكاملُ مَنْ هو دونَه؟ فهي موافقةٌ للقراءة المتواترة بطريق الأَوْلى.

وقد ردَّ أبو جعفر هذه القراءة بثلاثة أوجه، أحدها: مخالفتُها لسواد المصحف. الثاني: أن سيبويه يختار الرفع في خبر " إنْ " المخففة فيقول: " إنْ زيد منطلق " لأن عَمَلَ " ما " ضعيف و " إنْ " بمعناها فهي أضعف منها. الثالث: أن الكسائي لا يرى أنها تكون بمعنى " ما " إلا أن يكون بعدها إيجاب. وما ردَّ به النحاس ليس بشيء لأنها مخالَفَةٌ يسيرة. قال الشيخ: " ويجوز أن يكون كتب المنصوب على لغة ربيعة في الوقف على المنون المنصوب بغير ألف فلا تكون فيه مخالِفَةً للسواد ". وأما سيبويه فاختلف الناس في الفهم عنه في ذلك. وأما الكسائي فهذا القيد غير معروف له. وخرَّج الشيخ القراءة على أنها " إنْ " المخففة قال: " وإنْ المخففة تعمل في القراءة المتواترة كقراءة " وإنْ كلاً " ، ثم إنها قد ثبت لها نصب الجُزْأَين، وأنشد:
2361ـ................   ............... إنَّ حُرَّاسنا أُسْدا
قال: " وهي لغة ثابتة " ثم قال: " فإن تأوَّلنا ما ورد من ذلك نحو:
2362ـ يا ليت أيامَ الصِّبا رواجعا   
أي: تُرى رواجعا/ فكذلك هذه يكون تأويلها: إن الذين تدعون من دون الله خلقناهم عباداً أمثالكم ". قلت: فيكون هذا التخريج مبنياً على مذهبين أحدهما: إعمال المخففة وقد نصَّ جماعة من النحويين على أنه أقل من الإِهمال، وعبارة بعضهم " إنه قليل " ولا أرتضيه لوروده في المتواتر. والثاني: أن " إنَّ " وإخواتها تنصب الجزأين وهو مذهب مرجوح. وقد تحصَّل في تخريج هذه القراءة ثلاثة أوجه: كون " إنْ " نافيةً عاملةً، أو المخففة الناصبة للجزأين، أو النصب بفعل مقدر هو خبر لها في المعنى.

السابقالتالي
2