الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ }

قوله تعالى: { حَمْلاً }: المشهور أن الحَمل بالفتح ما كان في بطن أو على رأس شجرة، وبالكسر ما كان على ظهر أو رأس [غير] شجرة. وحكى أبو سعيد في حمل المرأة: حِمْل وحَمْل. وحكى يعقوب في حمل النخلة الكسرة. والحمل في الآية يجوز أن يرادَ به المصدرُ فينتصبَ انتصابَه، وأن يُراد به نفسُ الجنين، وهو الظاهر، فينتصبَ انتصابَ المفعول به كقولك: حَمَلْت زيداً.

قوله: { فَمَرَّتْ } الجمهورُ على تشديد الراء ومعناه: استمرت به، أي: قامَتْ وقعدت. وقيل: هو على القلب، أي: فمرَّ بها، أي استمر ودام.

وقرأ ابن عباس وأبو العالية ويحيى بن يعمر وأيوب " فَمَرَتْ " خفيفةَ الراء، وفيها تخريجان، أحدهما: أن أصلها التشديد، ولكنهم كرهوا التضعيف في حرف مكرر فتركوه، وهذا كقراءة " وقَرْن " بفتح القاف إذا جَعَلْناه من القرار. والثاني: أنه من المِرْية وهو الشك، أي: فشكَّتْ بسببه أهو حَمْل أم مرض؟

وقرأ عبد الله بن عمرو بن العاص والجحدري: " فمارَتْ " بألف وتخفيف الراء. وفيها أيضاً وجهان، أحدهما: أنها مِنْ مار يمور، أي جاء وذهب، ومارَتِ الريح، أي: جاءت وذهبَتْ وتصرَّفَتْ في كل وجه، ووزنه حينئذ فَعَلَتْ والأصل مَوَرَتْ، ثم قُلبت الواو ألفاً فهو كطافَتْ تطوف. والثاني: أنها من المِرْية أيضاً قاله الزمخشري وعلى هذا فوزنه فاعَلَت والأصل: مارَيَتْ كضارَبَتْ، فتحرك حرف العلة وانفتح ما قبله فَقُلِبَ ألفاً، ثم حُذِفَتْ لالتقاء الساكنين فهو كبارَتْ ورامت.

وقرأ سعد بن أبي وقاص وابن عباس أيضاً والضحاك " فاسْتَمَرَّتْ به " وهي واضحة. وقرأ أُبَيّ " فاستمارَتْ " وفيها الوجهان المتقدمان في " فمارَتْ " ، أي: أنه يجوز/ أن يكون من المِرْية، والأصل " اسْتَمْرَيَتْ " ، وأن يكون من المَوْر والأصل: استَمْوَرَتْ.

قوله: { أَثْقَلَتْ } ، أي: صارت ذا ثِقل كقولهم: أَلْبَنَ الرجل وأَتْمَرَ، أي: صار ذا لبنٍ وتمرٍ. وقيل: دخلت في الثقل، كقولهم: أصبح وأمسى، أي: دخلَتْ في الصباح والمساء. وقرئ " أُثْقِلَتْ " مبنياً للمفعول.

قوله: { دَّعَوَا ٱللَّهَ } متعلَّقٌ الدعاء محذوفٌ لدلالة الجملة القسمية عليه، أي: دَعَواه في أن يُؤتيَهما ولداً صالحاً.

وقوله: { لَئِنْ آتَيْتَنَا } هذا القسمُ وجوابُه فيه وجهان، أظهرهما: أنه مفسِّرٌ لجملة الدعاء كأنه قيل: فما كان دعاؤهما؟ كان دعاؤهما كيت وكيت، ولذلك قلت: إن هذه الجملةَ دالَّةٌ على متعلق الدعاء. والثاني: أنه معمول لقول مضمر تقديره: فقالا: لئن آتيتنا. و " لنكونَنَّ " جوابُ القسم، وجواب الشرط محذوفٌ على ما تقرَّر. و " صالحاً " فيه قولان أظهرهما: أنه مفعولٌ ثان، أي: ولداً صالحاً. والثاني ـ وبه قال مكي ـ: أنه نعتُ مصدرٍ محذوف، أي: إيتاءً صالحاً. وهذا لا حاجةَ إليه لأنه لا بد مِنْ تقدير الموتى لهما.