الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { أَيَّانَ مُرْسَاهَا }: فيه وجهان أحدهما: أن " أيان " خبر مقدم، و " مُرْساها " مبتدأ مؤخر. والثاني: أن " أيان " منصوب على الظرف بفعل مضمر، ذلك الفعل رافع لـ " مرساها " بالفاعلية، وهو مذهب أبي العباس. وهذه الجملةُ في محل نصب لأنها بدل من " الساعة " بدلُ اشتمال، وحينئذ كان ينبغي ألاَّ تكون في محل جر لأنها بدل من مجرور. وقد صرَّح بذلك أبو البقاء فقال: " والجملةُ في موضع جر بدلاً من " الساعة " تقديره: يسألونك عن زمان حلول الساعة " ، إلا أنه مَنَع مِنْ كونها مجرورةَ المحل أن البدل في نيَّة تكرار العامل، والعامل هو " يَسْألونك " والسؤال يعلق بالاستفهام وهو متعدٍّ، يعني فتكون الجملة الاستفهاميةُ في محلِّ نصب بعد إسقاط الخافض كأنه قيل: يسألونك أيان مُرْسى الساعة، فهو في الحقيقة بدلٌ من موضع " عن الساعة " لأن موضع المجرور نصب، ونظيره في البدل على أحسن الوجوه فيه: عَرَفْتُ زيداً أبو مَنْ هو.

و " أيان " ظرف زمان مبني لتضمُّنه معنى الاستفهام ولا يتصرف، ويليه المبتدأ والفعل المضارع دون الماضي، بخلاف " متى " فإنها يليها النوعان. وأكثرُ ما تكون " أيَّان " استفهاماً كقول الشاعر:
2352ـ أيَّان تَقْضي حاجتي أيَّانا   أما تَرى لفِعْلها إبَّانا
وقد تأتي شرطيةً جازمة لفعلين. قال الشاعر:
2353ـ أيَّان نُؤْمِنْكَ تُؤْمَنْ غيرَنا وإذا   لم تُدْرِكِ الأمنَ منَّا لم تزلْ حَذِرا
وقال آخر:
2354ـ إذا النَّعْجَةُ العَجْفاءُ باتت بقَفْرةٍ   فأيَّان ما تَعْدِلْ بها الريحُ تَنْزِلِ
والفصيحُ فتحُ همزتها وهي قراءةُ العامة. وقرأ السُّلمي بكسرها وهي لغة سُلَيْم. واختلف النحويون في " أيَّان ": هل هي بسيطةٌ أم مركبة؟ فذهب بعضُهم إلى أن أصلَها: أيّ أوانٍ فحُذِفَت الهمزةُ على غيرِ قياس ولم يُعَوَّضْ منها شيء، وقُلبت الواوُ ياء على غير قياس، فاجتمع ثلاثُ ياءات فاسْتُثْقِل ذلك فَحُذِفت إحداهن، وبُنيت الكلمةُ على الفتح فصارت أيان. واختلفوا فيها أيضاً: هل هي مشتقةٌ أم لا؟ فذهب أبو الفتح إلى أنها مشتقة مِنْ أَوَيْتُ إليه، لأن البعض آوٍ إلى الكل، والمعنى: أيّ وقت وأي فعلٍ، ووزنه فَعْلان أو فِعْلان بحسب اللغتين، ومنع أن يكون وزنه فَعَّالاً مشتقةً مِنْ " أين " ، لأنَّ أين ظرف مكان وأيان ظرف زمان.

ومُرْساها يجوز أن يكون اسمَ مصدر وأن يكون اسم زمان، قال الزمخشري: " مُرْساها " إرساؤُها أو وقت إرسائها، أي: إثباتها وإقرارها ". قال الشيخ " وتقديره: وقت إرسائها ليس بجيدٍ، لأن " أيَّان " استفهام عن الزمان فلا يَصِحُّ أن يكونَ خبراً عن الوقت إلا بمجاز لأنه يكون التقدير: في أي وقتٍ وقتُ إرسائها " وهو كلام حسن، ويقال: رسا يرسو: ثَبَتَ، ولا يقال إلا في الشيء الثقيل نحو: رَسَت السفينةُ تَرْسُو، وأَرْسَيْتها.

السابقالتالي
2