الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { ٱلْحُسْنَىٰ }: فيها قولان، أظهرهما: أنها تأنيث " أحسن " ، والجمع المكسَّرُ لغير العاقل يجوز أن يُوْصَفَ بما يوصف به المؤنث نحو: مآرب أخرى، ولو طُوبق به لكان التركيب الحَسَن كقوله:مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة: 184]. والثاني: أن الحسنى مصدر على فُعْلَى كالرُّجْعَى والبُقْيَا قال:
2347ـ ولا يَجْزون مِنْ حُسْنى بسوءٍ   ................
و " الأسماء " هنا: الألفاظُ الدالَّةُ على الباري تعالى كالله والرحمن. وقال ابن عطية: " المرادُ بها التسمياتُ إجماعاً من المتأولين لا يمكن غيره، وفيه نظرٌ لأنَّ التسمية مصدرٌ، والمصدر لا يُدْعى به على كلا القولين في تفسير الدعاء، وذلك أن معنى " فادعوه " نادوه بها، كقولهم: يا الله يا رحمان يا ذا الجلال والإِكرام اغفرْ لنا. وقيل: سمُّوه بها كقولك: " سَمَّيْت ابني بزيد ".

قوله: { يُلْحِدُونَ } قرأ حمزة هنا وفي النحل وحم السجدة: يَلْحدون بفتح الياء والحاء مِنْ لحد ثلاثياً. والباقون بضم الياء وكسرِ الحاء مِنْ أَلْحد. فقيل: هما بمعنى واحد، وهو المَيْل والانحراف. ومنه لَحْد القبر لأنه يُمال، بحفره إلى جانبه، بخلاف الضريح فإنه يُحْفر في وسطه، ومن كلامهم " ما فعل الواجد؟ قالوا لَحَدَه اللاحد ". وإلى كونهما بمعنى واحد ذهب ابن السِّكِّيت وقال: " هما العدول عن الحق ". وأَلْحد أكثر استعمالاً مِنْ لَحَدَ قال:
2348ـ ليس الإِمام بالشحيح المُلْحِدِ   
وقال غيره: " لَحَدَ بمعنى رَكَنَ وانضوى، وألحد: مال وانحرف " قاله الكسائي. ونُقل عنه أيضاً: أَلْحَدَ: أعرض، ولحد: مال. قالوا: ولهذا وافق حمزة في النحل إذ معناه: يميلون إليه.

وروى أبو عبيدة عن الأصمعي: " ألحد: مارى وجادل، ولحد: حاد ومال. ورُجِّحت قراءةُ العامة بالإِجماع على قوله " بإلحاد ". وقال الواحدي: " ولا يكاد يُسْمع من العرب لاحد ". قلت: فامتناعُهم من مجيء اسم فاعل الثلاثي يدل على قلَّته وقد قَدَّمْتُ من كلامهم " لحده اللاحِد ". ومعنى الإِلحاد فيها أن اشتقوا منها أسماءً لآلهتهم فيقولون: اللات من لفظ الله، والعزَّى من لفظ العزيز، ومناة مِنْ لفظ المَنَّان، ويجوز أن يُراد سَمَّوه بما لا يليق بجلاله.