الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }

قوله تعالى: { مَذْءُوماً مَّدْحُوراً }: حالان من فاعل " اخرج " عند مَنْ يجيز تَعدُّدَ الحال لذي حال واحدة. ومَنْ لا يُجِزْ ذلك فَمَدْحُوراً صفةٌ لمذؤوماً أو هي حالٌ من الضمير في الحال قبلها فيكون الحالان متداخلين. ومَذْؤوماً مدحوراً اسما مفعول مِنْ ذَأَمه ودَحَره. فأمَّا ذَأَمَه فيقال بالهمز: ذَأَمه يَذْأَمه كَرأَمه يَرْأَمُهُ، وذامه يَذيمه كباعه يبيعه من غير همز، وعليه قولهم: " لن يَعْدَمَ الحسناء ذاماً " يُروى بهمزةٍ ساكنة أو ألف، وعلى اللغة الثانية قول الشاعر:
2158ـ تَبِعْتُك إذْ عَيْني عليها غِشاوةٌ   فلما انجلَتْ قَطَّعْتُ نفسي أَذِيْمُها
فمصدرُ المهموز ذَأْم كرَأْس، وأما مصدر غير المهموز فَسُمِعَ فيه ذامٌ بألف، وحكى ابن الأنباري فيه ذَيْماً كيَنْعٍ قال: " يقال ذَأَمْتُ الرجل أَذْأَمُه وذِمْتُه أَذِيْمُه ذَيْماً وذَمَمْتُه أَذُمُّه ذَمَّاً بمعنىً. وأنشد:
2159ـ وأقاموا حتى انبرَوا جميعاً   في مَقامٍ وكلُّهم مَذْؤُوْمُ
والذَّامُ: العَيْبُ ومنه المثل المتقدم: " لن يَعْدَمِ الحسناءُ ذاما " أي كلُّ امرأة حسنة لا بد أن يكون فيها عيبٌ ما. وقالوا: أردتَ أن تَذيمه فمدحتَه أي: تَعيبه فمدحته، فأبدل الحاء هاءً. وقيل: الذام الاحتقارُ، ذَأَمْتُ الرجل: أي احتقرته قاله الليث. وقيل: الذام الذَّمُّ، قاله ابن قتيبة وابن الأنباري.

والجمهور على " مَذْؤوماً " بالهمز. وقرأ أبو جعفر والأعمش والزهري " مَذُوْمَاً " بواو واحدة من دون همز. وهي تحتمل وجهين أحدهما: ـ ولا ينبغي أن يُعْدَلَ عنه ـ أنه تخفيف " مذؤوماً " في القراءة الشهيرة بأَنْ أُلْقِيَتْ حركةُ الهمزة على الذال الساكنة، وحُذِفَت الهمزةُ على القاعدة المستقرة في تخفيف مثله، فوزن الكلمة آل إلى مَفُول لحذف العين. والثاني: أن هذه القراءةَ مأخوذةٌ مِنْ لغة مَنْ يقول: ذِمْتُه أَذيمه كبِعْتُه أَبيعه، وكان مِنْ حق اسم المفعول على هذه اللغةِ مَذيم كمبيع قالوا: إلا أنه أُبْدلت/ الواو من الياء على حَدِّ قولهم " مكول " في " مكيل " مع أنه من الكيل. ومثل هذه القراءة في احتمال الوجهين قولُ أمية بن أبي الصلت:
2160ـ وقالَ لإِبليسَ ربُّ العبادِ   [أن] اخرُجْ لعيناً دحيراً مَذُوْمَا
أنشد على ذلك الواحدي على لغة ذامه بالألف يَذيمه بالياء، وليته جعله محتملاً للتخفيف مِنْ لغة الهمز.

والدَّحْر: الطَّرْدُ والإِبعاد يقال: دَحَره يَدْحَرُه دَحْراً ودُحوراً، ومنه:وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً } [الصافات: 9] وقول أمية في البيت المتقدم " لَعيناً دحيراً " وقوله أيضاً:
2161ـ وبإذنه سجدوا لآدمَ كلهمْ   إلا لعيناً خاطِئاً مَدْحورا
وقال الآخر:
2162ـ دَحَرْتُ بني الحصيب إلى قَدِيدٍ   وقد كانوا ذوي أَشَرٍ وفَخْرِ
قوله: { لَّمَن تَبِعَكَ } في هذه اللامِ وفي " مَنْ " وجهان أظهرهما: أن اللام لامُ التوطئة لقسم محذوف و " مَنْ " شرطية في محل رفع بالابتداء و " لأملأنَّ " جواب القسم المدلول عليه بلام التوطئة، وجواب الشرط محذوف لسدِّ جوابِ القسم مسدَّه.

السابقالتالي
2 3