قوله تعالى: { لِجَهَنَّمَ }: يجوز في هذه اللام وجهان، أحدهما: أنها لامُ الصيرورة والعاقبة، وإنما احتاج هذا القائلُ إلى كونها لامَ العاقبة لقوله تعالى{ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56] فهذه علةٌ معتبرةٌ محصورة، فكيف تكون هذه العلةُ أيضاً؟ وأوردوا من ذلك قول الشاعر:
2344ـ لِدُوا للموت وابْنُوا للخراب
..............
وقول الآخر:
2345ـ ألا كلُّ مولودٍ فللموتِ يُوْلَدُ
ولستُ أرى حَيّاً لحيٍّ يُخَلَّدُ
وقول الآخر:
2346ـ فللموتِ تَغْذُو الوالداتُ سِخالَها
كما لخرابِ الدور تُبْنَى المساكنُ
والثاني: أنها للعلةِ وذلك أنهم لمَّا كان مآلُهم إليها جعل ذلك سبباً على طريق المجاز. وقد ردَّ ابن عطية على مَنْ جعلها لامَ العاقبة فقال: " وليس هذا بصحيح، ولامُ العاقبة إنما تُتَصَوَّر إذا كان فعل الفاعل لم يُقْصد مصيرُ الأمر إليه، وأما هنا فالفعل قُصِد به ما يصير الأمر [إليه] مِنْ سُكْناهم لجهنم " ، واللام على هذا متعلقة بـ " ذَرَأْنا ". ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أنه حال من " كثيراً " لأنه في الأصل صفة لها لو تأخر. ولا حاجة إلى ادعاء قلب وأن الأصل: ذَرَأْنا جهنم لكثير لأنه ضرورةٌ أو قليلٌ. و { مِّنَ ٱلْجِنِّ } صفة لـ " كثيراً ". " لهم قلوب " جملة في محل نصب: إمَّا صفة لكثير أيضاً، وإمَّا حالاً من " كثيراً " وإن كان نكرة لتخصُّصِه بالوصف، أو من الضمير المستكن في " من الجن " لأنه يَحْمل/ ضميراً لوقوعِه صفةً. ويجوز أن يكون " لهم " على حِدَته هو الوصف أو الحال، و " قلوب " فاعل به فيكون من باب الوصفِ بالمفرد وهو أولى. وقوله: { لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } وكذلك الجملةُ المنفيَّةُ في محلِّ النعت لما قبلها، وهذا الوصفُ يكاد يكونُ لازماً لو ورد في غير القرآن لأنه لا فائدةَ بدونه لو قلت: " لزيد قَلْبٌ وله عينٌ " وسَكَتَّ لم يظهر لذلك كبيرُ فائدةٍ.