الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ }

قوله تعالى: { مِن ظُهُورِهِمْ }: بدلٌ من قوله " من بني آدم " بإعادة الجارِّ كقوله:لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ } [الزخرف: 33]لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ } [الأعراف: 75]. وهل هو بدلُ اشتمال أو بدل بعض من كل؟ قولان، الأول لأبي البقاء، والثاني للزمخشري، وهو الظاهر كقولك: ضربت زيداً ظهرَه، وقطعتُه يدَه، لا يُعْرِب أحد هذا بدلَ اشتمال.

و { ذُرِّيَّتَهُمْ } مفعول به. وقرأ الكوفيون وابن كثير " ذريتهم " بالإِفراد، والباقون " ذُرِّيَّاتهم " بالجمع. قال الشيخ: " ويحتمل في قراءة الجمع أن يكونَ مفعولُ " أخذ " محذوفاً لفهمِ المعنى، و " ذريَّاتهم " بدلٌ من ضميرِ " ظهورهم " ، كما أنَّ " من ظهورهم " بدلٌ من " بني آدم " ، والمفعولُ المحذوفُ هو الميثاق كقولهوَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً } [النساء: 154] قال: " وتقديرُ الكلام: وإذ أَخَذَ ربُّك من ظهور ذريات بني آدم ميثاق التوحيد، واستعارَ أن يكون أخذ الميثاق من الظهر، كأن الميثاق لصعوبته، والارتباطَ به شيءٌ ثقيل يُحمل على الظهر ". وكذلك قرأ الكوفيون وابن كثير في سورة يس وفي/ الطور في الموضعين: " ذريتهم " بالإِفراد، وافقهم أبو عمرو على ما في يس، ونافع وافقهم في أول الطور وهي " ذريتهم بإيمان " دونَ الثانية وهي " أَلْحَقْنا بهم ذريَّاتِهم " فالكوفيون وابن كثير جَرَوا على منوالٍ واحدٍ وهو الإِفراد، وابن عامر على الجمع، وأبو عمرو ونافع جمعوا بين الأمرين كما بَيَّنْتُ لك.

قال الشيخ في قراءة الإِفراد في هذه السورة: " ويتعيَّن أن يكونَ مفعولاً بـ " أخذ " وهو على حَذْف مضاف، أي: ميثاق ذريتهم " يعني أنه لم يَجُزْ فيه ما جازَ في " ذرياتهم " من أنه بدل والمفعول محذوف، وذلك واضحٌ لأنَّ مَنْ قرأ " ذريتهم " بالإِفراد لم يَقْرأه إلا منصوباً، ولو كان بدلاً مِنْ " هم " في " ظهورهم " لكان مجروراً بخلافِ " ذرياتهم " بالجمع، فإن الكسرةَ تَصْلُح أن تكون عَلَماً للجر وللنصب في جمع المؤنث السالم.

قوله: { بَلَىٰ } جوابٌ لقوله " أَلَسْتُ " قال ابن عباس: " لو قالوا: نعم لكفروا " يريد أن النفيَ إذا أُجيب بـ نعم كانت تصديقاً له، فكأنهم أقرُّوا بأنه ليس بربِّهم. هكذا ينقلونه عن ابن عباس رضي الله عنه، وفيه نظرٌ إنْ صَحَّ عنه، وذلك أن هذا النفيَ صار مقرَّراً، فكيف يكفرون بتصديق التقرير؟ وإنما المانع من جهة اللغة: وهو أن النفيَ مطلقاً إذا قُصِد إيجابه أُجيب بـ بلى، وإن كان مقرَّراً بسبب دخول الاستفهام عليه، وإنما كان ذلك تغليباً لجانب اللفظ، ولا يجوز مراعاةُ جانب ِالمعنى إلا في شعر كقوله:

السابقالتالي
2