الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

قوله تعالى: { وَرِثُواْ }: في محلِّ رفع نعتاً لـ " خَلْفٌ " و " يأخذون " حال من فاعل " ورثوا ". والخَلْف والخَلَف ـ بفتح اللام وإسكانها ـ هل هما بمعنىً واحد، أي: يُطلق كل منهما على القَرْن الذي يَخْلُف غيره صالحاً كان أو طالحاً، أو أن الساكن اللام في الطالح والمفتوحها في الصالح؟ خلافٌ مشهور بين اللغويين. قال الفراء: " يُقال للقَرْن: خَلْف ـ يعني ساكناً ـ ولمن استخلفته: خلَفاً ـ يعني متحرك اللام ـ ". وقال الزجاج: يُقال للقَرْن يجيء بعد القرن خَلْف ". وقال ثعلب: " الناس كلهم يقولون: " خَلَف صدق " للصالح و " خَلْف سوء " للطالح، وأنشد:
2324ـ ذهب الذين يُعاشُ في أكنافِهم   وبَقِيتُ في خَلْف كجِلْدِ الأجرب
وقالوا في المثل: " سكت أَلْفاً ونطق خَلْفاً " ، ويُعزى هذا أيضاً إلى الفراء وأنشدوا:
2325ـ خَلَّفْتَ خَلْفاً ولم تَدَعْ خَلفَا   ليت بهم كان لا بك التَّلَفَا
وقال بعضهم: " قد يجيء في الرديء خَلَف بالفتح، وفي الجيد خَلْف بالسكون، فمِنْ مجيء الأول قوله:
2326ـ......................   إلى ذلك الخَلَفِ الأعور
ومِنْ مجيء الثاني قول حسان:
2327ـ لنا القَدَمُ الأُوْلى عليهم وخَلْفُنا   لأولِنا في طاعة الله تابعُ
وقد جمع بينهما الشاعر في قوله:
2328ـ إنَّا وَجَدْنا خَلْفَنا بِئْسَ الخَلَفْ   عبداً إذا ما ناء بالحِمْل وَقَفْ
فاستعمل الساكنَ والمتحركَ في الرديء، ولهذا قال النضر: " يجوز التحريكُ والسكونُ في الرديء، فأمَّا الجيدُ فبالتحريك فقط " ، ووافقه جماعةُ أهل اللغة إلا الفراءَ وأبا عبيد فإنهما أجازا السكون في الخلف المراد به الصالح.

والخَلْف ـ بالسكون - فيه وجهان، أحدهما: أنه مصدر، ولذلك لا يثنَّى ولا يُجْمَعُ ولا يُؤَنَّث وعليه ما تقدَّم من قوله:
إنَّا وَجَدْنا خَلْفَنَا بئس الخَلَفْ   
وإمَّا اسم جمع خالِف كرَكْب لراكب وتَجْر لتاجر، قاله ابن الأنباري. وردُّوه عليه بأنه لو كان اسم جمع لم يَجْرِ على المفرد وقد جرى عليه. واشتقاقُه: إمَّا من الخلافة، أي: كلُّ خَلَفٍ يَخْلُفُ مَنْ قبله، وإمَّا مِنْ خَلَفَ النبيذ يخلُف، أي: فسد، يقال: خَلَفَ النبيذُ يَخْلُف خَلْفاً إذا فسد، خَلْفاً وخُلُوفاً، وكذا الفم إذا تغيَّرت رائحتُه. ومن ذلك الحديث: " لَخَلُوف فم الصائم ". وقرأ الحسن البصري: " وُرِّثوا " بضم الواو وتشديد الراء مبنياً لِما لم يُسَمَّ فاعلُه. ويجوز أن يكون " يأخذون " مستأنفاً، أخبر عنهم بذلك. وتقدَّم الكلامُ على لفظ " الأدنى " واشتقاقه.

قوله: { وَيَقُولُونَ } نسق على " يأخذون " بوجهيه و " سيُغْفَر " معموله. وفي القائم مَقام فاعلِه وجهان، أحدهما: الجارُّ بعده وهو " لنا ".

السابقالتالي
2 3