الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }

قوله تعالى: { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ }: الضمير في " نَسُوا " للمنهيين. و " ما " موصولةٌ بمعنى الذي، أي: فلمَّا نَسُوا الوعظَ الذي ذكَّرهم به الصالحون. قال ابن عطية: " ويحتمل أن يُرادَ به الذِّكْرُ نفسُه، ويُحتمل أن يرادَ به ما كان فيه الذكر " قال الشيخ: " ولا يَظْهر لي هذان الاحتمالان " قلت: يعني ابن عطية بقوله " الذكر نفسه " ، أي: نفسُ الموصول مرادٌ به المصدر كأنه قال: فلما نَسُوا الذكر الذي ذُكِّروا به، وبقوله " ما كان فيه الذكر " نفسُ الشيء المُذَكَّر به الذي هو متعلَّق الذكر، لأن ابن عطية لمَّا جَعَل " ما " بمعنى الذي قال: " إنها تحتملُ الوقوعَ على هذين الشيئين المتغايرين ".

قوله: { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } قرأ نافع وأبو جعفر وشيبة: " بِيْسٍ " بياء ساكنة. وابن عامر بهمزة ساكنة، وفيهما أربعة أوجه، أحدها: أن هذا في الأصل فعلٌ ماضٍ سُمِّي به فأُعْرِب كقوله عليه السلام: " أنهاكم عن قيلٍ وقال " بالإِعراب والحكاية، وكذا قولهم: " مُذْ شَبَّ إلى دَبَّ " و " مُذْ شَبٍّ إلى دَبٍّ " فلمَّا نُقِل إلى الاسمية صار وَصْفاً كـ نِضْو ونِقْض. والثاني: أنه وصف وُضِع على فِعْل كحِلْف. الثالث: أن أصلَه بَئيس كالقراءة المشهورة، فخفَّف الهمزة، فالتقت ياءان ثم كَسَر الباء إتباعاً كرِغيف وشِهيد، فاستثقل توالي ياءين بعد كسرة، فحذفت الياء المكسورة فصار اللفظ بِئْسٍ، وهو تخريج الكسائي. الرابع: أن أصله " بَئِس " بزنة كَتِف ثم أُتْبعت الباءُ للهمزة في الكسر، ثم سُكِّنت الهمزة ثم أُبدلت ياء. وأمَّا قراءةُ ابنِ عامر فتحتمل أن تكون فعلاً منقولاً، وأن تكون وصفاً كحِلْف.

وقرأ أبو بكر عن عاصم " بَيْئَسٍ " بياء ساكنة بين باء وهمزة مفتوحتين وهو صفةٌ على فَيْعَل كضيغَم وصَيْرَف وهي كثيرة في الأوصاف/. وقال امرؤ القيس بن عابس الكندي:
2320ـ كلاهما كان رئيساً بَيْئَساً   يَضْرِبُ في يومِ الهياجِ القَوْنَسا
وقرأ باقي السبعة بَئِيْسٍ بزنة رئيس. وفيه وجهان، أحدهما: أنه وصفٌ على فَعِيل كشديد وهو للمبالغة وأصله فاعل. والثاني: أنه مصدرٌ وُصف به أي: بعذابٍ ذي بأس بئيس، مصدر مثل النذير والنكير والعذير، ومثل ذلك في احتمال الوجهين قول أبي الإِصبع العدواني:
2321ـ حَنَقَاً عَلَيَّ ولا أَرَى   ليَ منهما شَرَّاً بئيساً
وهي أيضاً قراءةُ علي وأبي رجاء.

وقرأ يعقوبٌ القارئ: بَئِسَ بوزن شَهِدَ، وقرأها أيضاً عيسى بن عمر وزيد بن علي. وقرأ نصر بن عاصم: بَأَس بوزن ضَرَب فعلاً ماضياً.

وقرأ الأعمش ومالك بن دينار: بَأْس فعلاً ماضياً، وأصله بئِس بكسرِ الهمزة فسَكَّنها تخفيفاً كشَهْد في قوله:

السابقالتالي
2 3