الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }

قوله تعالى: { عَنِ ٱلْقَرْيَةِ }: لا بد من مضافٍ محذوفٍ، أي: عن خبر القرية، وهذا المضافُ هو الناصبُ لهذا الظرف وهو قوله: " إذ يعدون " وقيل: بل هو منصوبٌ بـ " حاضرة ". قال أبو البقاء: " وجوَّز ذلك أنها كانت موجودةً ذلك الوقتَ ثم خَرِبَتْ ". وقدَّر الزمخشري المضاف " أهل " ، أي: عن أهل القرية، وجعل الظرفَ بدلاً من " أهل " المحذوف فإنه قال: " إذ يَعْدون " بدل من القرية، والمرادُ بالقرية أهلُها، كأنه قيل: وسَلْهم عن أهل القرية وقت عدوانهم في السبت، وهو مِنْ بدل الاشتمال.

قال الشيخ: " وهذا لا يجوزُ، لأنَّ " إذ " من الظروف التي لا تتصرَّف، ولا يَدْخل عليها حرفُ جر، وجَعْلُها بدلاً يُجَوِّز دخول " عن " عليها لأنَّ البدلَ هو على نية تكرار العامل، ولو أَدْخَلْت " عن " عليها لم يَجُزْ، وإنما يُتَصَرَّفُ فيها بأنْ تُضِيْفَ إليها بعضَ الظروفِ الزمانية نحو " يوم إذ كان كذا " ، وأمَّا قولُ مَنْ ذهب إلى أنها تكونُ مفعولةً بـ " اذكر ": فقولُ مَنْ عَجَز عن تأويلها على ما ينبغي لها من إبقائها ظرفاً ".

وقال الحوفي: " إذ متعلقةٌ بـ " سَلْهم ". قال الشيخ: " وهذا لا يُتَصور، لأن " إذ " لِما مضى، و " سَلْهم " مستقبلٌ، ولو كان ظرفاً مستقبلاً لم يَصِحَّ المعنى، لأنَّ العادِين وهم أهل القرية مفقودون، فلا يمكن سؤالُهم فالمسؤول غير أهل القرية العادين ".

وقرأ شهر بن حوشب وأبو نهيك: " يَعَدُّون " بفتح العين وتشديد الدال، وهذه تشبه قراءةَ نافع في قوله " لا تَعَدُّوا في السبت " والأصل " تَعْتَدُّوا " فأدغم التاءَ في الدال لمقاربتها لها. وقُرئ " تُعِدُّون " بضمِ التاء وكسرِ العين وتشديد الدال من أعدَّ يُعِدُّ إعداداً: إذا هَيَّأ آلاتِه. وفي التفسير: أنهم كانوا مأمورين في السبت فيتركونها ويُهَيِّئون آلاتِ الصيد.

قوله: { إِذْ تَأْتِيهِمْ } العاملُ فيه " يَعْدُون " ، أي: إذ عَدَوا إذ أَتَتْهم، لأنَّ الظرفَ الماضي يَصْرِفُ المضارع إلى المضيّ. وقال الزمخشري: " وإذ تأتيهم بدلٌ من إذْ يَعْدُون بدلاً بعد بدل " يعني أنه بدلٌ ثانٍ من القرية على ما تقرَّر عنه. وقد تقدَّم ردُّ الشيخ عليه هناك وهو عائدٌ هنا.

و " حِيْتان " جمع حُوت، وإنما أُبدلت الواو ياء لسكونها وانكسارِ ما قبلَها. ومثلُه: نون ونينان. والنونُ: الحوت.

قوله: { شُرَّعاً } حالٌ من " حِيتانهم " وشُرَّعٌ جمعُ شارع. وقرأ عمر ابن عبد العزيز " يوم إسْباتهم " وهو مصدرٌ " أسبت " إذا دخل في السَّبْت.

السابقالتالي
2