الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ }

قوله تعالى: { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ }: " اختار " يتعدَّى لاثنين إلى أوَّلهما بنفسه وإلى ثانيهما بحرف الجر، ويجوز حَذْفُه، تقول: " اخترت زيداً من الرجال " ، ثم تَتَّسِعُ فتحذف " مِنْ " فتقول: " زيداً الرجال " قال:
2306ـ اخْتَرْتُكَ الناسَ إذ رثَّتْ خلائِقُهُمْ   واعتلَّ مَنْ كان يُرجى عنده السُّؤلُ
وقال الراعي:
2307ـ فقلْتُ له اخترها قَلوصاً سمينة   ونابٌ علينا مثل نابِكَ في الحيا
وقال الفرزدق:
2308ـ منا الذي اختير الرجالَ سماحةً   وجوداً إذا هَبَّ الرياح الزعازعُ
وهذا النوعُ مقصورٌ على السماع، حَصَره النحاة في ألفاظ، وهي: اختار وأَمَر كقوله:
2309ـ أمرتك الخيرَ فافعلْ ما أُمِرْتَ به   فقد تَرَكْتُك ذا مالٍ وذا نَشَبِ
واستغفر كقوله:
2310ـ أستغفرُ اللهَ ذنباً لستُ محصيَه   ربَّ العبادِ إليه الوجهُ والعملُ
وسمَّى [نحو:] سَمَّيْتُ ابني بزيد، وإن شئت: زيداً. و " دعا " بمعناه قال:
2311ـ دَعَتْني أمُّ عمرو أخاها ولم أكن   أخاها ولم أَرْضَعْ لها بلَبانِ
و " كَنَى " تقول: كَنَيْته بفلان، وإن شئت فلاناً. و " صَدَق " قال تعالى:وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } [آل عمران: 152]. و " زوَّج " قال تعالى:زَوَّجْنَاكَهَا } [الأحزاب: 37]. ولم يزد الشيخ عليها. ومنها أيضاً " حدَّث وأنبأ ونبّأ وأخبر وخبَّر " إذا لم تُضَمَّن معنى أَعْلَمَ. قال تعالى:مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا } [التحريم: 3] وقال:فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ } [التحريم: 3]. وتقول: حَدَّثْتك بكذا، وإن شئت: كذا، قال:
2312ـ لَئِنْ كان ما حُدِّثْتُه اليومَ صادقاً   أَصُمْ في نهارِ القيظِ للشمس باديا
و " قومه " مفعولٌ ثانٍ على أوَّلهما، والتقدير: واختار موسى سبعين رجلاً من قومه. ونقل أبو البقاء عن بعضهم أن " قومَه " مفعول أول و " سبعين " بدل، أي: بدل بعض من كل، ثم قال: " وأرى أن البدلَ جائزٌ على ضعف وأن التقدير: سبعين رجلاً منهم ". قلت: إنما كان ممتنعاً أو ضعيفاً لأنَّ فيه حَذْفَ شيئين: أحدُهما المختار منه، فإنه لا بد للاختيار من مختارٍ ومختار منه، وعلى البدل إنما ذُكِر المختارُ دونَ المختار منه. والثاني: أنه لا بد من رابط بين البدل والمبدل منه وهو " منهم " كما قدَّره أبو البقاء، وأيضاً فإن البدلَ في نية الطَّرْح.

وأصل اختار: اختَيَرَ افتعل من لفظ الخير كاصطفى من الصفوة. و " لميقاتنا " متعلقٌ به أي: لأجل ميقاتنا. ويجوز أن يكونَ معناها الاختصاصَ، أي: اختارهم مخصصاً بهم الميقات كقولك: اختير لك هذا.

قوله: { لَوْ شِئْتَ } مفعولُ المشيئة محذوف أي: لو شِئْتَ إهلاكنا، و " أهلكتهم " جواب لو، والأكثر الإِتيانُ باللام في هذا النحو، ولذلك لم يَأْتِ مجرداً منها إلا هنا، وفي قوله

السابقالتالي
2