قوله تعالى: { غَضْبَانَ أَسِفاً }: حالان من موسى عند مَنْ يجيز تعدُّدَ الحال، وعند مَنْ لا يجيزه يَجْعَلُ " أَسِفاً " حالاً من الضمير المستتر في " غضبان " فتكون حالاً متداخلةً، أو يجعلها بدلاً من الأولى، وفيه نظرٌ لعُسْر إدخالِه في أقسام البدل، وأقربُ ما يقال: إنه بدلُ بعضٍ من كل إن فسَّرنا الأسِفَ بالشديد الغضبِ، أو بدلُ اشتمال إن فسَّرناه بالحزين. يقال: أسِف يأسَفُ أَسَفاً، أي: اشتدَّ غضبُه. قال تعالى:{ فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [الزخرف: 55] ويقال: بل معناه حَزِن ومنه قوله:
2297ـ غيرُ مأسوفٍ على زمنٍ
ينقضي بالهمِّ والحزن
فلما كانا متقاربَيْنِ في المعنى صَحَّت البدليةُ على ما ذكرته لك، ويدلُّ على مقاربة ما بينهما ـ كما قال الواحدي ـ قولُه:
2298ـ...............
فحزنُ كلِّ أخي حُزْنٍ أخو الغضبِ
وقال الأعشى:
2299ـ أرى رجلاً منكمْ أسِيفاً كأنما
يَضُمُّ إلى كَشْحَيْه كَفَّاً مُخَضَّبا
فهذا بمعنى غضبان. وفي الحديث: " إنَّ أبا بكر رجلٌ أسيف " أي: حزين، ورجلٌ أَسِف: إذا قُصِد ثبوتُ الوصف واستقراره، فإن قُصِد به الزمان جاء على فاعِل. قوله: { قَالَ: بِئْسَمَا } هذا جوابُ " لمَّا " وتقدَّم الكلامُ على " بئسما " ، ولكنَّ المخصوصَ بالذم محذوفٌ، والفاعلُ مستتر يفسِّره " ما خَلَفْتموني " والتقدير: بئس خلافةً خَلَفْتمونيها خلافتُكم. قوله: { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ } في " أَمْرَ " وجهان أحدهما: أنه منصوب على المفعول بعد إسقاط الخافض وتضمين الفعل معنى ما يتعدى بنفسه، والأصل: أَعَجِلْتُمْ عن أمر ربكم. قال الزمخشري: " يقال: عَجِل عن الأمر: إذا تركه غير تامَّ، ونقيضه تَمَّ، وأعجله عنه غيره، ويُضَمَّن معنى سبق فيتعدَّى تعديتَه فيقال: عَجِلْتُ الأمر، والمعنى: أعجلتم عن أمر ربكم ". والثاني: أنه متعدٍّ بنفسه غيرَ مضمَّنٍ معنى فعل آخر. حكى يعقوب " عَجِلْتُ الشيء سبقته " وأعجلت الرجل استعجلته، أي: حملتُه على العَجَلة ". قوله: { يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } فيه ثلاثة أوجه، أحدُها: أن الجملةَ حالٌ من ضمير موسى المستتر في " أخذ " ، أي: أخذ جارَّاً إليه. الثاني: أنها حال من " رأس " قاله أبو البقاء وفيه نظرٌ لعدم الرابط. الثالث: أنها حال من " أخيه " قال أبو البقاء: " وهو ضعيفٌ يعني من حيث/ إن الحال من المضاف إليه يَقِلُّ مجيئُها أو يمتنعُ عند بعضهم. قلت: وقد تقدم غيرَ مرة أن بعضَهم يُجَوّزه في صورٍ هذه منها، وهو كونُ المضافُ جزءاً من المضاف إليه. قوله: { قَالَ ٱبْنَ أُمَّ } قرأ الأخَوان وأبو بكر وابن عامر هنا وفي طه بكسر الميم والباقون بفتحها. فأمَّا قراءة الفتح ففيها مذهبان: مذهبُ البصريين أنهما بُنيا على الفتح لتركُّبهما تركيب خمسة عشر، فعلى هذا فليس " ابن " مضافاً لـ " أم " بل مركَّب معها فحركتُهما حركةُ بناء.