الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

قوله تعالى: { سُقِطَ فَيۤ أَيْدِيهِمْ }:/ الجارُّ قائم مقام الفاعل. وقيل: القائمُ مقامَ [الفاعل] ضميرُ المصدر الذي هو السُّقوط أي: سُقِط السقوط في أيديهم. ونقل الشيخ عن بعضهم أنه قال: " وسقط تتضمَّن مفعولاً وهو ههنا المصدر، أي: الإِسقاط كقولك: " ذُهب بزيد ". قال: " صوابه: وهو هنا ضميرُ المصدر الذي هو السُّقوط، لأنَّ " سقط " ليس مصدرُهُ الإِسقاط، ولأن القائمَ مقامَ الفاعل ضميرُ المصدر لا المصدر ". وقد نقل الواحدي عن الأزهري أن قولهم " سُقِط في يده " كقول امرئ القيس:
2294ـ دَعْ عنك نَهْباً صِيح في حُجُراتِه   ولكنْ حديثاً ما حديث الرواحلِ
في كون الفعل مسنداً للجار كأنه قيل: صاح المنتهبُ في حجراته، وكذلك المراد: " سُقِط في يده " ، أي: سَقَطَ الندم في يده " قلت: فقوله: " أي: سقط الندم " تصريحٌ بأن القائمَ مقامَ الفاعل حرفُ الجارِّ لا ضميرُ المصدر. ونَقَل الفراء والزجاج أنه يُقال: سُقِط في يده وأُسقط أيضاً، إلا أن الفراء قال: " سَقَط ـ أي الثلاثي ـ أكثر وأجودُ ". وهذه اللفظةُ تُستعمل في التندُّم والتحيُّر.

وقد اضْطَرَبَتْ أقوالُ أهل اللغة في أصلها فقال أبو مروان ابن سراج اللغوي: " قولُ العرب: سُقِط في يده مما أَعْياني معناه ". وقال الواحدي: " قد بان من أقوال المفسرين وأهلِ اللغة أن " سُقِط في يده " نَدِم، وأنه يُستعمل في صفة النادم ". فأمَّا القول في أصله وما حَدُّه فلم أر لأحدٍ من أئمة اللغة شيئاً أرتضيه إلا ما ذكر الزجاجي فإنه قال: " قوله تعالى: " سُقِط في أيديهم " بمعنى ندموا، نَظْمٌ لم يُسمع قبل القرآن ولم تَعْرفه العرب، ولم يوجدْ ذلك في أشعارهم، ويدلُّ على صحة ذلك أن شعراء الإِسلام لَمَّا سمعوا هذا النظم واستعملوه في كلامهم خفي عليهم وَجْهُ الاستعمال، لأن عادتَهم لم تَجْرِ به فقال أبو نواس:
2295ـ ونشوةٌ سُقِطْتُ منها في يدي   
وأبو نواس هو العالِمُ النِّحْرِيْر فأخطأ في استعمال هذا اللفظ لأن فُعِلْتُ لا يُبْنى إلا من فعلٍ متعدٍ و " سَقَط " لازم لا يتعدى إلا بحرف الصفة، لا يقال: " سُقطت " كما لا يُقال: رُغبت وغُضِبت إنما يقال: رُغِب في، وغُضِب على. وذكر أبو حاتم [أن] " سُقِط فلان في يده " بمعنى ندم وهذا خطأ مثلُ قول أبي نواس، ولو كان الأمر كذلك لكان النظم " ولما سُقطوا في أيديهم " و " سُقِط القومُ في أيديهم ". وقال أبو عبيدة: " يُقال لمن ندم على أمر وعجز عنه: سُقِط في يده ".

السابقالتالي
2 3