الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ }

قوله تعالى: { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ }: فيه وجهان أحدهما: أنه متعلق بمحذوفٍ على أنه حال، أي: يتكبَّرون ملتبسين بغير الحق. والثاني: أن يتعلَّق بالفعل قبله أي: يتكبرون بما ليس بحق، والتكبُّر بالحق لا يكون إلا لله تعالى خاصة.

قوله: { وَإِن يَرَوْاْ } الظاهرُ أنها بَصَريَّة، ويجوز أن تكون قلبية، والثاني محذوفٌ لفَهْم المعنى كقول عنترة:
2293ـ ولقد نَزَلْتِ فلا تظنِّي غيرَه   مني بمنزلة المُحَبِّ المُكْرَمِ
أي: فلا تظني غيره واقعاً مني، وكذا الآية الكريمة، أي: وإن يَرَوا كل آية جائية أو حادثة. وقرأ مالك بن دينار " يُرَوا " مبنياً للمفعول مِنْ أرى المنقول بهمزة التعدية.

قوله { ٱلرُّشْدِ } قرأ الأخَوان هنا وأبو عمرو في قولهمِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } [الكهف: 66] خاصةً دون الأوَّلَيْن فيها بفتحتين، والباقون بضمة وسكون. واختلف الناس فيها: هل هما بمعنى واحد؟ فقال الجمهور: نعم لغتان في المصدر كالبُخْل والبَخَل والسُّقْم والسَّقَم والحُزْن والحَزَن. وقال أبو عمرو بن العلاء: " الرُّشْد بضمة وسكون الصَّلاح في النظر، وبفتحتين الدِّين " قالوا ولذلك أُجْمِع على قولهفَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } [النساء: 6] بالضم والسكون، وعلى قولهفَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } [الجن: 14] بفتحتين. ورُوي عن ابن عامر " الرُّشُد " بضمَّتين وكأنه من باب الإِتباع كاليُسُر والعُسُر. وقرأ السلمي " الرَّشاد " بألف فيكون الرُّشْد والرَّشَد والرَّشاد كالسُّقْم والسَّقَم والسَّقَام. وقرأ ابن أبي عبلة " لا يتخذوها " و " يتخذوها " بتأنيث الضمير لأن السبيل يجوز تأنيثُها. قال تعالى:قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } [يوسف: 108].

قوله: { ذٰلِكَ } فيه وجهان، أظهرهما: أنه مبتدأ خبره الجارُّ بعده، أي: ذلك الصرف بسبب تكذيبهم. والثاني: أنه في محلِّ نصب. ثم اختُلِف في ذلك: فقال الزمخشري: " صَرَفَهم الله ذلك الصَّرْفَ بعينه فجعله مصدراً. وقال ابن عطية: " فعلنا ذلك " فجعله مفعولاً به، وعلى الوجهين فالباء في " بأنهم " متعلقةٌ بذلك المحذوف.

قوله: { وَكَانُواْ } في هذه الجملةِ احتمالان، أحدهما: أنها نسقٌ على خبر " أنَّ " ، أي: ذلك بأنهم كذبوا، وبأنهم كانوا غافلين عن آياتنا. والثاني: أنها مستأنفةٌ أخبر الله تعالى عنهم بأنَّ مِنْ شأنهم الغفلةَ عن الآيات وتدبُّرِها.