الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ }

قوله تعالى: { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً }: " أل " في الألواح يجوز أن تكون لتعريف الماهيَّة وأن تكونَ للعهد، لأنه يُروى في القصة أنه هو الذي قطعها وشقَّقها. وقال ابن عطية: " أل " عوض من الضمير، تقديره: " في ألواحه " وهذا كقوله: { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } ، أي: مَأْواه ". أمَّا كون " أل " عوضاً من الضمير فلا يَعْرفه البصريون. وأمَّا قولُه { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } فإنَّا نحتاج فيه إلى رابطٍ يَرْبِط بين الاسم والخبر، فالكوفيون يجعلون أل عوضاً من الضمير، والبصريون يُقَدِّرونه، أي: هي المأوى له، وأما في هذه الآية فلا ضرورةَ تدعو إلى ذلك.

وفي مفعول " كَتَبْنَا " ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنه " موعظة " ، أي: كتبنا له موعظة/ وتفصيلاً. و " من كل شيء " على هذا فيه وجهان، أحدُهما: أنه متعلِّقٌ بـ " كتبنا " ، والثاني: أنه متعلق بمحذوف لأنه في الأصلِ صفةٌ لـ " موعظة " ، فلما قُدِّم عليها نُصب حالاً، و " لكلِّ شيء " صفةٌ لـ " تفصيلاً ". والثاني: أنه " من كل شيء ". قال الزمخشري: " من كل شيء " في محل النصب مفعول " كتبنا " ، و " موعظة وتفصيلاً " بدل منه، والمعنى: كَتَبْنا له كلَّ شيء كان بنو إسرائيل يَحْتاجون إليه في دينهم من المواعظ وتفصيلِ الأحكام ". الثالث: أن المفعولَ محلُّ المجرور. قال الشيخ ـ بعدما حكى الوجهَ الأول عن الحوفي والثاني عن الزمخشري ـ: " ويُحْتَمَلُ عندي وجهٌ ثالثٌ وهو أن يكونَ مفعولُ " كَتَبْنا " موضع المجرور كما تقول: " أكلت من الرغيف " و " مِنْ " للتبعيض، أي: كتبنا له أشياء من كل شيء، وانتصب " مَوْعِظة وتفصيلاً " على المفعول من أجله، أي: كتبنا له تلك الأشياءَ للاتِّعاظ وللتفصيل " قلت: والظاهر أن هذا الوجهَ هو الذي أراده الزمخشري فليس وجهاً ثالثاً.

قوله: " بقوة " حالٌ: إمَّا من الفاعل، أي: ملتبساً بقوة، وإمَّا من المفعول، أي: ملتبسةً بقوة، أي: بقوة دلائلها وبراهينها، والأولُ أوضحُ. والجملةُ مِنْ قوله " فَخُذْها " يُحتمل أن تكونَ بدلاً من قوله " فخُذْ ما آتيتك " وعاد الضميرُ على معنى " ما " لا على لفظِها. ويحتمل أن تكونَ منصوبةً بقول مضمر، ذلك القولُ منسوقٌ على جملة " كتبنا " والتقدير: وكتبنا فقلنا: خُذْ ما. والضميرُ على هذا عائدٌ على الألواح، أو على التوراة، أو على الرسالات، أو على كل شيء لأنه في معنى الأشياء.

السابقالتالي
2 3