الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }

قوله تعالى: { وأَوْرَثْنَا }: يتعدَّى لاثنين لأنه قبل النقل بالهمزة متعدٍّ لواحد نحو: وَرِثْتُ أبي، فبالنقل اكتسب آخرَ، فأَوَّلُهما " القوم " و " الذين " وصلتُه في محل نصب نعتاً له. وأمَّا المفعولُ الثاني: ففيه ثلاثة أوجهٍ، أظهرُها: أنه { مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا }. وفي قوله { ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } على هذا وجهان أحدهما: أنه نعتٌ لمشارق ومغارب. والثاني: أنه نعتٌ للأرض. وفيه ضعفٌ من حيث الفصلُ بالمعطوفِ بين الصفةِ والموصوف، وهو نظيرُ قولك: " قام غلامُ هندٍ وزيدٌ العاقلةِ ". وقال أبو البقاء هنا: " وفيه ضعفٌ؛ لأن فيه العطفَ على الموصوف قبل الصفة " وهذا سَبْقُ لسان أو قلم لأنَّ العطفَ ليس على الموصوف، بل على ما أُضيف إلى الموصوف.

الثاني من الأوجه الثلاثة: أن المفعول الثاني هو { ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } أي: أَوْرَثناهم الأرض التي بارَكْنا فيها. وفي قوله تعالى { مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا } وجهان، أحدهما: هو منصوب على الظرف بـ " يُسْتَضْعفون ". والثاني: أن تقديره: يُستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها، فلمَّا حُذِفَ الحرف وصلَ الفعلُ بنفسه فنصب. هكذا قال أبو البقاء. ولا أدري كيف يكونان وجهَيْن فإن القولَ بالظرفية هو عينُ القول بكونه على تقدير " في "؛ لأن كل ظرف مقدَّرٌ بـ " في " فكيف يَجعل شيئاً واحداً شيئين؟

الوجه الثالث: أن المفعولَ الثاني محذوفٌ تقديره: أورثناهم الأرضَ أو الملكَ أو نحوه. و " يُستضعفون " يجوز أن يكون على بابه من الطلب أي: يُطلب منهم الضَّعْفَ مجازاً، وأن يكون استفعل بمعنى وجده ذا كذا. والمرادُ بالأرض أرضُ الشام وقيل: أرض مصر.

وقرأ الحسن ـ ورويت عن أبي عمرو وعاصم ـ " كلمات " بالجمع. قال الزمخشري: " ونظيرهلَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } [النجم: 18] يعني في كونِ الجمع وُصِفَ بمفرد. قال الشيخ: " ولا يتعيَّن في " الكبرى " ما ذَكَر لجواز أن يكون التقدير: لقد رأى الآيةَ الكبرى، فهي وصفُ مفردٍ لا جمعٍ وهو أبلغُ ". قلت: في بعض الأماكن يتعيَّن ما ذكره الزمخشري نحومَآرِبُ أُخْرَىٰ } [طه: 18] وهذه الآية، فلذلك اختارَ منها ما يتعيَّنَ في غيرها.

قوله: { بِمَا صَبَرُواْ } متعلِّق بـ " تَمَّت " ، والباءُ للسببية، و " ما " مصدريةٌ أي بسبب صبرهم. ومتعلَّقُ الصبرِ محذوفٌ أي: على أذى فرعون وقومه.

قوله: { وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ } يجوز في هذا الآيةِ أوجهٌ، أحدها: أن يكونَ " فرعون " اسمَ كان، و " يصنع " خبرٌ مقدم، والجملةُ الكونية صلةُ " ما " ، والعائدُ محذوف، والتقدير: ودمَّرْنا الذي كان فرعون يَصْنَعُه.

السابقالتالي
2 3