الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { مَهْمَا }: " مهما " اسمُ شرطٍ يجزم فعلين، كـ " إنْ ". هذا قولُ جمهور النحاة، وقد يأتي للاستفهام، وهو قليلٌ جداً كقوله:
2273ـ مهما لي الليلةَ مهما لِيَهْ   أَوْدَى بنعلَيَّ وسِرْباليَهْ
يريد: ما لي الليلة ما لي؟ والهاء للسكت.

وزعم بعض النحويين أنَّ الجازمة تأتي ظرف زمان، وأنشد:
2274ـ وإنك مهما تُعْطِ بطنك سُؤْلَه   وفَرْجَكَ نالا منتهى الذمِّ أجمعا
وقول الآخر:
2275ـ   عوَّدْتَ قومَك أن كلَّ مُبَرَّرٍ
مهما يُعَوَّدْ شيمةً يَتَعوَّدِ   
وقول الآخر:
2276ـ نُبِّئْتُ أن أبا شُتَيْمٍ يَدَّعي   مهما يَعِشْ يُسْمِعْ بما لم يُسْمَعِ
قال: " فـ مهما هنا ظرف زمان " والجمهور على خلافه. وما ذكره متأول، بل بعضُه لا يَظْهر فيه للظرفية معنى.

وقد شنع الزمخشري على القائل بذلك فقال: " وهذه الكلمة في عداد الكلمات التي يُحَرِّفها مَنْ لا يدَ له في علم العربية فيضعها غيرَ موضعها، ويحسب " مهما " بمعنى " متى " ويقول: مهما جئتني أعطيتك، وهذا من كلامه وليس من واضع العربية، ثم يذهب فيفسر { مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ } بمعنى الوقت فيُلْحد في آيات الله وهو لا يشعر، وهذا وأمثاله مِمَّا يوجب الجثوَّ بين يدي الناظر في كتاب سيبويه ". قلت: هو معذورٌ في كونها بمعنى الوقت، فإن ذلك قولٌ ضعيف لم يَقُلْ به إلا الطائفةُ الشاذَّةُ، وقد قال جمال الدين ابن مالك: " جميع النحويين يقولون إن " مهما " و " ما " مثل " مَنْ " في لزوم التجرُّد عن الظرف، مع أن استعمالهما ظرفين ثابتٌ في أشعار الفصحاء من العرب " ، وأنشد بعض الأبيات المتقدمة. قلت: وكفى بقوله " جميع النحويين " دليلاً على ضَعْف القول بظرفيتهما.

وهي اسمٌ لا حرفٌ بدليل عَوْد الضمير عليها، ولا يعود الضمير على حرف كقوله { مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ } فالهاء في " به " تعود على " مهما " ، وشَذَّ السهيليُّ فزعم أنها قد تأتي حرفاً.

واختلف النحويون في " مهما ": هل هي بسيطة أو مركبة؟ والقائلون بتركيبها اختلفوا: فمنهم مَنْ قال: هي مركبة/ مِنْ ماما، كُرِّرت " ما " الشرطية توكيداً فاستثقل توالي لفظين فأُبْدلت ألف " ما " الأولى هاء. وقيل: زيدت " ما " على " ما " الشرطية كما تُزاد على " إنْ " في قوله:فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم } [البقرة: 38] فعُمِل العمل المذكور للثقل الحاصل. وهذا قول الخليل وأتباعه من أهل البصرة. وقال قوم: " هي مركبة مِنْ مَهْ التي هي اسمُ فعلٍ بمعنى الزجر وما الشرطية، ثم رُكِّبت الكلمتان فصارا شيئاً واحداً ". وقال بعضهم: " لا تركيبَ فيها هنا بل كأنهم قالوا له: مه، ثم قالوا: ما تَأْتِنا به " ويُعْزى هذان الاحتمالان للكسائي وهذا ليس بشيء؛ لأن ذلك قد يأتي في موضعٍ لا زَجْرَ فيه، ولأن كتابتها متصلة ينفي كونَ كلٍ منهما كلمةً مستقلة.

السابقالتالي
2