الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }

قوله تعالى: { بِٱلسِّنِينَ }: جمعُ سَنَة. وفيها لغتان أشهرهما: إجراؤُه مُجْرى جمع المذكر السالم فيُرفع بالواو ويُنْصب ويُجَرُّ بالياء، وتُحْذَفُ نونُه للإِضافة. قال النحاة: إنما جرى ذلك المجرى جبراً له لِما فاته مِنْ لامه المحذوفة، وسيأتي في لامِه كلامٌ. واللغةُ الثانيةُ: أن يُجْعَلَ الإِعرابُ على النونِ ولكن مع الياءِ خاصَّةً. نَقَلَ هذه اللغةَ أبو زيد والفراء. ثم لك فيها لغتان أحدهما: ثبوتُ تنوينها، والثانيةُ عدمهُ. قال الفراء: " هي في هذه اللغة مصروفة عند بني عامر وغير مصروفة عند بني تميم ". ووجه حذف التنوين التخفيف، وحينئذ لا تُحْذف النون للإِضافة، وعلى ذلك جاء قولُه:
2266ـ دَعَانيَ مِنْ نَجْدٍ فإنَّ سنينَه   لَعِبْنَ بنا شِيْباً وشَيَّبْنَنَا مُرْدا
وجاء الحديث " اللهم اجعلها عليهم سنين كَسِني يوسف " و " سنيناً كسنينِ يوسف " باللغتين.

وفي لام " سَنَة " لغتان، أحدهما: أنها واو لقولهم: سنوات وسانَيْتُ وسُنَيَّة. والثانية: أنه هاءٌ لقولهم: سانَهْتُ وسَنَهات وسُنَيْهَة. وليس هذا الحكمُ المذكور أعني جَرَيَانَه مَجْرى جمعِ المذكر أو إعرابَه بالحركات مقتصراً على لفظ سنين بل هو جارٍ في كل اسمٍ ثلاثي مؤنث حُذِفتْ لامُه وعُوِّضَ منها تاء التأنيث ولم يُجْمع جمع تكسير، نحو ثُبة وثبين، وقُلة وقُلين. وتَحَرَّزْتُ بقولي " حُذِفَتْ لامُه " ممَّا حُذِفَتْ فاؤه نحو: لِدة وعِدَة. وبقولي " ولم يُجْمع جمع تكسير " مِنْ " ظُبَة وظُبَى ". وقد شذَّ قولهم " لِدُون " في المحذوف الفاء، وظِبون في المكسَّر قال/
2267ـ يرى الراؤون بالشَّفَراتِ منها   وُقودَ أبي حُباحبَ والظُّبينا
واعلم أن هذا النوعَ إذا جَرَى مَجْرى الزيدِيْنَ فإن كان مكسورَ الفاء سَلِمَتْ ولم تُغَيَّر نحو: مئة ومئين، وفئة وفئين. وإن كان مفتوحَها كُسِرَتْ نحو سنين، وقد نُقِل فتحُها وهو قليلٌ جداً. وإن كان مضمومَها جاز في فائهِ الوجهان: أعني السَّلامة والكسر نحو: ثُبين وقُلين.

وقد غَلَبت السَّنَة على زمانِ الجَدْب، والعام على زمان الخصب حتى صارا كالعلَم بالغلبة، ولذلك اشتقوا من لفظ السنة فقالوا: أَسْنَتَ القومُ. قال:
2268ـ عمروُ الذي هَشَمَ الثَّريدَ لقومِه   ورجالُ مكةَ مُسْنِتونَ عجافُ
وقال حاتم الطائي:
2269ـ وإنَّا نُهيْنُ المالَ في غيرِ ظِنَّةٍ   وما يَشْتكينا في السنين ضريرُها
ويؤيِّد ما ذَكَرْتُ لك ما في سورة يوسف:تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ } [يوسف: 47] ثم قال:سَبْعٌ شِدَادٌ } [يوسف: 48] فهذا في الجَدْب. وقال:ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ } [يوسف: 49]. وقوله: { مِّن ٱلثَّمَرَاتِ } متعلق بـ { نَقْصٍ }.