الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ }

قوله تعالى: { وَيَذَرُكَ }: قرأ العامَّةُ: " ويَذَرَك " بياء الغيبة ونصبِ الراء. وفي النصبِ وجهان: أظهرهما: أنه على العطف على " ليُفْسدوا ". والثاني: أنه منصوبٌ على جواب الاستفهام، كما يُنصب في جوابه بعد الفاء كقول الحطيئة:
2265ـ ألم أكُ جارَكُم ويكونَ بيني   وبينكمُ المودةُ والإِخاءُ
والمعنى: كيف يكون الجمعُ بين تَرْكِكَ موسى وقومه مفسدين وبين تركِهم إيَّاك وعبادةِ آلهتك، أي لا يمكنُ وقوعُ ذلك.

وقرأ الحسن في روايةٍ عنه ونعيم بن ميسرة " ويذرُك " برفع الراء. وفيها ثلاثةُ أوجه، أظهرُها: أنه نسقٌ على " أتذر " أي: أتطلق له ذلك. الثاني: أنه استئنافُ إخبار بذلك. الثالث: أنه حالٌ. ولا بدَّ من/ إضمارِ مبتدأ، أي: وهو يَذَرُك.

وقرأ الحسن أيضاً والأشهب العقيلي: " ويذرْك " بالجزم وفيها وجهان، أحدهما: أنه جزم ذلك عطفاً على التوهم، كأنه توهَّم جَزْمَ " يُفْسدوا " في جواب الاستفهام فعطف عليه بالجزم كقوله: { فأصَّدَّق وأكنْ } [المنافقين: 10] بجزم " وأكن ". الثاني: أنها تخفيفٌ كقراءةِ أبي عمرو " يَنْصُرْكم " وبابه.

وقرأ أنس بن مالك: " ونذرُك " بنون الجماعة ورفع الراء، تَوَعَّدوه بذلك، أو أنَّ الأمرَ يُؤول إلى ذلك فيكون خبراً محضاً. وقرأ عبد الله والأعمش بما يخالف السواد فلا حاجةَ إلى ذِكْره.

وقرأ العامَّة: " وآلهتكَ " بالجمع. وفي التفسير: أنه كان يعبدُ آلهةً متعددة كالبقر والحجارة والكواكب، أو آلهته التي شَرَع عبادتَها لهم وجَعَل نفسَه الإِلَه الأعلى في قوله { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ }. وقرأ علي بن أبي طالب وابن مسعود وأنس وجماعة كثيرة: " وإلاهتك ". وفيها وجهان، أحدهما: أن " إلاهة " اسم للمعبود، ويكون المرادُ بها معبودَ فرعونِ وهي الشمس، وفي التفسير أنه كان يعبد الشمس، والشمس تسمَّى " إلاهةً " علَماً عليها، ولذلك مُنِعت الصرف للعلمية والتأنيث. والثاني: أن " إلاهة " مصدر بمعنى العبادة، أي: ويذر عبادَتك لأنَّ قومه كانوا يعبدونه. ونقل ابن الأنباري عن ابن عباس أنه كان يُنْكر قراءة العامة، ويقرأ " وإلاهتك " وكان يقول: إن فرعون كان يُعْبَدُ ولا يَعْبُدُ.

قوله: { سَنُقَتِّلُ } قرأ نافع وابن كثير: " سَنَقْتل " بالتخفيف، والباقون بالتضعيف للتكثير، لتعدُّد المجال. وسيأتي أن الجماعة قَرَؤوا " يُقَتِّلُون أبناءكم " بالتضعيف إلا نافعاً، فيخفف. فتلخص من ذلك أنَّ نافعاً يقرأ الفعلين بالتخفيف. وابن كثير يخفف " سنقتل " ويثقِّل " يقتلون " ، والباقون يثقلونها.