الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ }

قوله تعالى: { أَنْ أَلْقِ }: يجوزُ أن تكونَ المفسِّرة لمعنى الإِيحاء، ويجوزُ أن تكونَ مصدريةً، فتكون هي وما بعدها مفعولَ الإِيحاء.

قوله: { تَلْقَفُ } قرأ العامة " تَلَقَّفُ " بتشديدٍ، مِنْ تلقَّفَ يتلقَّفُ، والأصل: " تَتَلَقَّفُ " بتاءين فحذفت إحداهما: إمَّا الأولى وإما الثانية، وقد تقدَّم ذلك في نحوتَذَكَّرُونَ } [الأنعام: 80]. والبزِّي على أصلِه في إدغامها فيما بعدها، فيقرأ { فإذا هي تَّلقَّفُ } بتشديد التاء أيضاً، وقد تقدَّم تحقيقُه عند قوله:وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ } [البقرة: 267]. وقرأ حفص " تَلْقَف " بتخفيف القاف مِنْ لَقِفَ كـ عَلِم يعلم ورَكِب يركب، يقال: لَقِفْتُ الشيء أَلْقَفُه لَقْفاً ولَقَفاناً، وتَلَقَّفْتُه أَتَلَقَّفُه تَلَقُّفاً إذا أخذتَه بسرعة فأكلته أو ابتلعته، وفي التفسير: أنها ابتلعَتْ جميعَ ما صنَعُوه، وأنشدوا على لَقِف يلقَف كـ عَلِم يَعْلَم قول الشاعر:
2263ـ أنت عصا موسى التي لم تَزَلْ   تَلْقَفُ ما يَصْنَعُه السَّاحر
ويقال: رجلٌ ثَقْفٌ لَقْفٌ وثقيف لقيف بَيِّنُ الثقافة واللَّقافة. ويقال: لَقِفَ ولَقِم بمعنى واحد قاله أبو عبيد. ويقال: لَقِف ولَقِم ولَهِم بمعنى واحد.

والفاء في " فإذا هي " يجوزُ أَنْ تكونَ العاطفةَ، ولا بد من حذف جملةٍ قبلها ليترتَّب ما بعد الفاء عليها، والتقدير: فألقاها فإذا هي، ومَنْ جَوَّز أن تكون الفاءُ زائدةً في نحو " خرجت فإذا الأسدُ حاضر " جَوَّز زيادتَها هنا، وعلى هذا فتكونُ هذه الجملةُ قد أُوْحِيَتْ إلى موسى كالتي قبلها، وأمَّا على الأول ـ أعني كون الفاءِ عاطفةً - فالجملةُ غير موحى بها إليه.

و " ما يأفِكون " يجوزُ في " ما " أن تكونَ بمعنى الذي، والعائد محذوفٌ أي: الذي يأْفِكونه، ويجوز أَنْ تكونَ " ما " مصدريةً، والمصدرُ حينئذٍ واقعٌ موقعَ المفعولِ به، وهذا لا حاجةَ إليه.