الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ }

قوله تعالى: { إِمَّآ أَن تُلْقِيَ }: " إمَّا " هنا للتخيير، ويُطْلق عليها حرفُ عطف مجازاً. وفي محل " أَنْ تلقي وإما أَنْ نكون " ثلاثة أوجه، أحدها النصبُ بفعلٍ مقدر أي: افعل إمَّا إلقائك وإمَّا إلقاءنا، كذا قدَّره الشيخ. وفيه نظر لأنه لا يَفْعَلُ إلقاءهم فينبغي أن يُقَدِّر فعلاً لائقاً بذلك وهو اختر أي: اختر إمَّا إلقاءك وإمَّا إلقاءنا. وقدَّره مكي وأبو البقاء، فقالا: " إمَّا أن تفعل الإِلقاء " قال مكي: " كقوله:
2262ـ قالوا الركوبَ فقلنا تلك عادتنا   ...............
إلا أنه جَعَلَ النصبَ مذهبَ الكوفيين. الثاني: الرفع على خبرِ ابتداءٍ مضمر تقديرُه: أَمْرُك إمَّا إلقاؤك وإمَّا إلقاؤُنا. الثالث: أن يكون مبتدأً خبرُه محذوفٌ تقديرُه: إمَّا إلقاؤك مبدوءٌ به، وإمَّا إلقاؤنا مبدوءٌ به، وإنما أتى هنا بـ " أَنْ " المصدرية قبل الفعل بخلاف قوله تعالى:وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ } [التوبة: 106] لأنَّ " أَنْ " وما بعدها هنا: إمَّا مفعولٌ وإمَّا مبتدأٌ، والمفعولُ به والمبتدأ لا يكونان فعلاً صريحاً، بل لا بد أن ينضمَّ إليه حرفٌ مصدري يجعله في تأويل اسم، وأمَّا آيةُ التوبة فالفعلُ بعد " إمَّا ": إمَّا خبرٌ ثان لـ آخرون، وإمَّا صفةٌ له، والخبرُ والصفةُ يقعان جملةً فعليةً مِنْ غير حرف مصدري.

وحُذِف مفعولُ الإِلقاء للعلم بهِ والتقدير: إمَّا أَن تُلْقيَ حبالَكَ وعِصِيَّك، ـ لأنهم كانوا يعتقدون أن يفعل كفِعْلهم ـ أو نلقي حبالَنا وعِصِيَّنا.