الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ }

قوله تعالى: { لأَكْثَرِهِم }: الظاهرُ أنه متعلِّقٌ بالوِجْدان كقولك: ما وَجَدْت له مالاً أي: ما صادَفْتُ له مالاً ولا لَقِيْتُه. الثاني: أن يكون حالاً من " عهد " لأنه في الأصل صفةُ نكرةٍ فلمَّا قُدِّم عليها نُصِب على الحال، والأصل: وما وَجَدْنا عهداً لأكثرهم، وهذا ما لم يذكر أبو البقاء غيره. وعلى هذين الوجهين فـ " وجد " متعدية لواحد وهو " مِنْ عهد " ، و " مِنْ " مزيدة فيه لوجودِ الشرطين. الثالث: أنه في محل نصب مفعولاً ثانياً لوجد إذ هي بمعنى عِلْمية، والمفعول هو " من عهد ". وقد يترجَّح هذا بأن " وَجَد " الثانيةَ عِلْمية لا وِجْدانية بمعنى الإِصابة، وسيأتي دليل ذلك. فإذا تقرَّر هذا فينبغي أن تكونَ الأولى كذلك مطابقةً للكلام ومناسبة له. ومَنْ يرجِّح الأولَ يقول: إنَّ الأولى لمعنى، والثانية لمعنى آخر.

قوله: { وَإِن وَجَدْنَآ } " إنْ " هذه هي المخففة، وليست هنا عاملةٌ لمباشرتها الفعلَ فزال اختصاصُها المقتضي لإِعمالها. وقال الزمخشري: " وإنَّ الشأنَ والحديثَ وَجَدْنا " فظاهرُ هذه العبارة أنها مُعْمَلة، وأنَّ اسمَها ضميرُ الأمر والشأن. وقد صَرَّح أبو البقاء هنا بأنها معملةٌ وأن اسمَها محذوفٌ، إلا أنه لم يقدِّره ضميرَ الحديث بل غيرَه. فقال: " واسمُها محذوفٌ أي: إنَّا وجدنا " وهذا مذهب النحويين أعني اعتقادَ إعمالِ المخففِ من هذه الحروفِ في " أنْ " المفتوحة على الصحيح وفي " كأنْ " التشبيهية، وأما " إنْ " المخففةُ المكسورةُ فلا. وقد تقدَّم ذلك بأوضح من هذا.

ووجد هنا متعديةٌ لاثنين أولهما " أكثرهم " ، والثاني " لَفاسقين ". قال الزمخشري: " والوجودُ بمعنى العلم من قولك: " وَجَدْتُ زيداً ذا الحفاظ " بدليل دخول " إنْ " المخففة، واللامُ الفارقة، ولا يَسُوغ ذلك إلا في المبتدأ والخبر والأفعالِ الداخلةِ عليهما " يعني أنها مختصةٌ بالابتداء أو بالأفعالِ الناسخة له، وهذا مذهب الجمهور، وقد تقدَّم لك خلافٌ عن الأخفش: أنه يُجَوِّز على غيرها وقَدَّمْتُ دليله على ذلك. واللام فارقةٌ. وقيل: هي عوضٌ من التشديد. قال مكي: " ولَزِمَتِ اللامُ في خبرها عوضاً من التشديد ". والمحذوفُ الأول. وتقدَّم/ الكلامُ أيضاً أن بعض الكوفيين يجعلون " إنْ " نافيةً، واللامَ بمعنى " إلا " في قوله تعالى:وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً } [البقرة: 143].